(عن أبي سعيد المكاري) اسمه هشام بن حيان الكوفي، لم يذمه أحد من أصحاب الرجال، وليس في كتبهم أيضا مدحه، وقيل في رواية الحلبي: وهو صحيح الحديث عنه دلالة على كونه ممدوحا، ولا يخفى ما فيه.
(عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (فكبكبوا فيها هم والغاوون)) في الصحاح: كبه لوجهه، أي صرعه، فأكب هو على وجهه، وكبكبه، أي كبه، ومنه قوله تعالى:
(فكبكبوا فيها هم والغاوون). وقال القاضي: الكبكبة تكرير الكب لتكرير معناه، كأن من القي في النار منكب مرة بعد اخرى حتى يستقر في قعرها، والغاوون أي الضالون الخائبون من الغي وهو الضلال والخيبة، عطف على ضمير الجمع المتصل لتأكيده بالمنفصل.
(قال: هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم) أي ضمير الجمع المتصل قوم من العلماء المائلين إلى الدنيا ولذاتها والتابعين للنفس الأمارة وشهواتها الذين وصفوا عدلا، أي نواميس إلهية وشرائع نبوية وبينوه للناس بألسنتهم وإطلاق العدل عليها شائع في الحكمة العملية; لأنها تأمر بالوسط الذي هو صراط الحق وتنهى عن الجور الذي هو سلوك أحد طرفي الافراط والتفريط، ومن زعم أن هذا التفسير أولى من تفسير المفسرين لهم بالآلهة وعبدتهم لأن ضمير الجمع للعقلاء بخلاف قوله تعالى:
(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) لجواز أن يكون وما تعبدون أصناما آلهة ورد عليه: أنه لا منافاة بين التفسيرين; لأن إطلاق الآلهة على العلماء شرعا باعتبار الطاعة والانقياد لهم في أفعالهم وأعمالهم والاستماع إلى أقوالهم شائع، وقد دل عليه قوله تعالى: (واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، ودلت عليه الروايات المعتبرة.
(ثم خالفوه إلى غيره) أي ثم خالفوا العدل لعدم استقراره في قلوبهم ومالوا إلى الجور واتبعوا القوة الوهمية والنفس الأمارة ومشتهياتهما واقتفوا القوة الشهوية والقوة الغضبية ومقتضياتهما، وهؤلاء أشباه العلماء وليسوا بمتصفين بالعلم والحكمة حقيقة; لأن العلم مقرون بالعمل، كما مر مرارا، ولذلك قال سقراط (1): إذا أقبلت الحكمة خدمت الشهوات العقول، فإذا أدبرت خدمت العقول الشهوات. وقال المحقق الطوسي: قد يصدر من بعض أقوال شبيهة بأقوال العلماء والحكماء