شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٥٨
* الشرح:
(محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منهومان لا يشبعان) المنهوم من النهم بالتحريك، وهو إفراط الشهوة في الطعام، وأن لا يمتلي عن الأكل ولا يشبع، نهم كفرح وعني فهو نهم ونهيم ومنهوم، أي به جوع شديد وشهوة مفرطة في الأكل لا من النهم بفتح النون وسكون الهاء، وهو بلوغ النهمة في الأمر والولوع به; لأن «لا يشبعان» لا يناسبه كثيرا، والمراد بالمنهومان طالب دنيا وطالب علم، كما وقع التفسير بهما على سبيل التوسع، ففيه استعارة تحقيقية وترشيح بذكر ما يلائم المشبه به، وهو «لا يشبعان».
(طالب دنيا) زائدا على قدر الحاجة والكفاف; لأن من طلب الدنيا زائدا على قدر الحاجة والكفاف كان ذلك لشدة حرصه على جمع زخارفها وطول أمله في تحصيل ما يتصور منها وكمال محبته لها بنفسها، فهو منهوم لا يشبع بتناول مرتبة من مراتبها، بل كلما حصلت له مرتبة اقتضى الحرص وطول الأمل بتناول مرتبة من مراتبها، بل كلما حصلت له مرتبة اقتضى الحرص وطول الأمل تناول مرتبة اخرى فوقها، وهكذا دائما إلى أن يموت جوعا.
(وطالب علم) لأن ساحة العلوم أوسع من أن يحول حولها عقول البشر وشامخ المعارف أرفع من أن يطير فوقها طائر النظر، كما دل عليه قوله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم)، فكل من طلب العلم لتكميل النفس بما يمكن لها من الكمالات فهو منهوم لا يشبع بتناول مرتبة من مراتبه، بل كلما حصلت له مرتبة يستعد لتناول اخرى، وهكذا دائما إلى أن يتناول المرتبة التي هي غاية المراتب الممكنة له، ثم كل واحد منهما ينقسم إلى قسمين: أحدهما سالم ناج، والآخر خاسر هالك.
أما الأول فلأنه إن طلب الدنيا من الوجوه المشروعة فهو سالم وإن طلبها من غيرها فهو هالك، وإليهما أشار بقوله:
(فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم) أي من اقتصر من تحصيل الدنيا على طريق اكتساب ما أحله الله له سلم من آفات الدنيا وعقوبات الآخرة، وإن كان فيه شهوة وميل إليها لأن جمع الدنيا من ممر الحلال حلال لا عقوبة فيه.
(ومن تناولها من غير حلها) أي من غير الطرق التي أحل الله له الاكتساب منها كالغصب والنهب والسرقة والكذب إلى غير ذلك من الطرق المذمومة.
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست