(وقال (صلى الله عليه وآله): أوحى الله إلى داود (عليه السلام): لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا) يعني لا تتوسل لمعرفتي وإحساني بعالم مفتون أضلته الدنيا بزهراتها وأخرجته عن طريق محبتي بشهواتها وحبسته عن مشاهدة جلالي بلذاتها.
(فيصدك عن طريق محبتي) أي يمنعك عن طريق يوصلك إلى محبتك إياي ومحبتي لك ويرغبك إلى الدنيا وزينتها فتصير مفتونا بها مثله.
(فإن اولئك) هم المفتونون بالدنيا البعيدون عن الرحمة.
(قطاع طريق عبادي المريدين) لمحبتي الطالبين لكرامتي القاصدين لسبيل مرضاتي، فإن اولئك يزينون الدنيا عندهم، ويرغبونهم إليها قولا وفعلا، ويمنعونهم من الرجوع إلى عالم إلهي ونحرير رباني، ولو لم يكن اولئك الضالون المضلون السارقون اسم العلم وزي العلماء جالسين في مسند الشرع وداعين للخلق إلى مفترياتهم لجال الناس إلى أن يجدوا هاديا مسددا وعالما مؤيدا.
(إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم) وكيف تكون قلوبهم قابلة لذوق مناجاته وهي مشغولة بغيره ملوثة بحب الدنيا وزينتها متنجسة بفضلة النفاق والعناد مظلمة بظلمة إضلال العباد؟! والنجوى السر بين اثنين، يقال: نجوته نجوا أي ساررته، وكذلك ناجيته وهو إنما يكون بين المحبين فحلاوة مناجاته تعالى تابعة لمحبته ولا يوازيها شيء من نعمائه عند الصديقين الذين خلصوا من مقتضيات سجيتهم ومشتهيات طبيعتهم وأخذت العناية الأزلية والسعادة الأبدية زمام قلوبهم فبذلوا المجهود في السير إلى الله ولزوم أوامره ونواهيه وبالغوا في تصفية بواطنهم وصقال ألواح نفوسهم وإلقاء حجب الغفلة وأستار الحياة البدنية عنهم حتى أشرقت عليهم شموس المعارف الإلهية وسالت في أودية قلوبهم مياه المحبة الربانية، فإنهم يعدون نزع حلاوة المناجاة من ذائقة قلوبهم طرفة عين من أشد العذاب، وإذا كان نزعها أدنى ما يصنع بهؤلاء الظالمين فماذا قدر أعلاه (1)؟ سبحانك نحن عبادك ولا ناصر لنا غيرك فانصرنا وثبت أقدامنا على صراطك إنك قريب مجيب.