شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٦١
عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على دينكم، فإن كل محب لشيء يحوط ما أحب». وقال (صلى الله عليه وآله): «أوحى الله إلى داود (عليه السلام): لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإن اولئك قطاع طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم».
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا رأيتم العالم محبا لدنياه) يعرف محبته لها بميله إليها ووثوقه بها واعتماده عليها بحيث لو فاتته تألم وجزع ولو أتته نشط وفرح، ولا يبالي من أين تأتيه.
(فاتهموه على دينكم) أي اجعلوه متهما على الدين ضعيفا في اليقين بعيدا عن معرفة حقيقته (1) والأخذ بطريقته، واعتقدوا أن كل فعله مطابق لقوله، وكل قوله ناظر إلى امور الدنيا وفوائدها مائل عن الآخرة ومنافعها، فلا تتبعوه في أقواله وأعماله ولا تجالسوه ولا تسألوه فإنكم إن جالستموه يردكم إلى الدنيا فتكونوا مثله من الخاسرين وإن سألتموه يصدكم عن الحق فتكونوا مثله من الهالكين.
(فإن كل محب لشيء يحوط ما أحب) أي يحفظ ويرعى ما أحبه، يقال: حاطه يحوطه حوطا، أي كلاه ورعاه.
والحاصل: أن هذا العالم يحرس الدنيا ويحفظها، وكل من هو كذلك فهو متهم في الدين في كل ما يقول ويعمل; لأن حب الدنيا وحراستها لا يجامع حب الدين وحراسته في قلب واحد; إذ ميله إلى أحد المتقابلين يوجب إعراضه عن الآخر، كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعادها» (2)، فهذا العالم أيضا متهم في الدين فصح التعليل.

1 - ظاهره يدل على عدم جواز تقليد من يحب الدنيا وإن لم يعلم منه الفسق; لأن حب الدنيا مظنة له وإن لم يكن بنفسه فسقا، ووجهه أن العدالة وضدها من الامور الباطنة التي يعسر الاطلاع عليها إلا بالظن فإذا حصل من بعض العلامات العلم بالعدالة لا تعارضه هذه الأمارة المفيدة للظن النوعي، وأما إذا اريد إثبات العدالة بالأمارات الظنية فحب الدنيا من الامارات المانعة عن حصول الظن بالعدالة.
واعلم أن الرجوع إلى العالم إما في اصول الدين فللتعلم بالبرهان المناسب للسائل، وإما في الفروع فلتقليده فيها، وإما في الأخلاق فللتخلق بالأخلاق الحسنة بالمعاشرة. وتعلم العبادات والتأدب بآداب الدين وتذكر ما يغفل عنه الإنسان من الالتزام بلوازم الإيمان والتأثر بمواعظ الله ومواعظ أوليائه فإن استقرار الإيمان واطمئنان القلب بالتكرار. (ش) 2 - النهج - قسم الحكم والمواعظ، تحت رقم 103.
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست