فمما يكشف عن مزيد عناية الأب بتربية ابنه رسالته التي كتبها لأجله لخص له فيها كثيرا من الأصول الحديثية، فاختصر الطريق بطرح الأسانيد والجمع بين النظائر، والاتيان بالخبر مع قرينه حتى قيل أنه أول من ابتكر ذلك في رسالته إلى ابنه، وكثير ممن تأخر عنه يحمد طريقته فيها، ويعول عليها في مسائل لا يجد النص عليها، لثقته وأمانته وموضعه من الدين والعلم وهذه الرسالة من مصادر كتاب (من لا يحضره الفقيه) نقل عنها المؤلف كثيرا، وصرح بذلك.
والذي يسترعي الانتباه كثرة مرويات المؤلف عن طريق أبيه كثرة تفوق مروياته عن كل من شيوخه الآخرين، مما يدلنا على مدى استعداده الذهني والنبوغ المبكر الذي كان له أكبر الأثر في قابليته الجيدة لكل ما يقرأ ويسمع.
ولا غرابة في نتائج الاحصاء والمقارنة التي تثبت أن الأب - وهو المنبع الأول من منابع ثقافة وليده المرجى - بذل أقصى جهده في سبيل تثقيف ولده وإسماعه أكبر عدد من مروياته، حتى كان أكثر ما يرويه الولد هو عن طريق شيخه الأول ومربيه الأكمل والده أبي الحسن رحمه الله.
وللتدليل على ذلك خذ مثلا كتابا من كتب المؤلف رحمه الله، ونظم إحصاءا شاملا لمروياته عن كل من شيوخه فستخرج بنتيجة أن للأب السهم الأوفر من تلك الروايات.
وهذا كتابه (من لا يحضره الفقيه) لما كان هو أكبر كتبه وأكثرها رواية فقد اختصر أسانيده مقتصرا على ذكر من ينتهي إليه سند الرواية، وكان هو الراوي الأول، ووضع في آخره مشيخة ذكر فيها إسناده إلى أولئك الرواة الذين ورد الحديث عنهم في الكتاب ولم يعرف طريق المصنف إليهم، ومن هذه المشيخة يستطيع الباحث كشف حقيقة ما قلناه عن كثرة رواياته عن أبيه على قصر المدة التي عايشه فيها حتى فاقت رواياته ما يرويه