مكانته والذي اشتهر بعلمه وتمسكه بدينه وعرف بورعه وتقواه، ورجعت إليه الشيعة في كثير من الأقطار، وأخذوا عنه أحكامهم، ولم يمنعه سمو مقامه في العلم من اتخاذ وسيلة لمعاشه، وركائز تضمن له الرفعة عما في أيدي الناس، شأن الأحرار في الدنيا، فكانت له تجارة يديرها غلمانه ويشرف عليهم بنفسه، فيعتاش مما يرزقه الله من فضله، ولم يشأ أن يثري على حساب الغير، أو يكون اتكاليا في رزقه (1).
وليس من شك أن أباه أولاه عناية كبيرة، ورعاه رعاية صالحة، لأنه أمله في هذه الحياة الدنيا، ورسالته الباقية بعده، نتيجة البشارة التي حبي بها من الناحية المقدسة، فكان الفتى الكامل آية في الحفظ والذكاء يحضر مجالس الشيوخ ويسمع منهم ويروي عنهم، فقد اختلف إلى مجلس شيخه محمد بن الحسن ابن الوليد - وكان من أكابر الشيوخ وأعاظم العلماء - وهو حدث السن.
وأدرك من أيام أبيه أكثر من عشرين عاما اقتبس خلالها من أخلاقه وآدابه ومعارفه وعلومه ما سما به على أقرانه، حتى روى عنه جميع مصنفاته وهي مائتا كتاب فيما يذكره ابن النديم في فهرسته ص 277.
قال: قرأت بخط ابنه محمد بن علي على ظهر جزء، (قد أجزت لفلان ابن فلان كتب أبي علي بن الحسين وهي مائتا كتاب، وكتبي وهي ثمانية عشر كتابا)، ومع الأسف الشديد ضياع تلك الثروة العلمية الضخمة فلم نعثر إلا على أسماء ما يقارب من عشرين كتابا ذكرها الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في فهرستيهما ولم يبق منهما إلا كتاب الاخوان الذي يعرف بمصادقة الاخوان ونسب اشتباها إلى ولده مؤلف هذا الكتاب ونصوصا من رسالته التي كتبها إلى ابنه.