قال في الدرر: والقبض الكامل في المنقول بما يناسبه وفي العقار بما يناسبه، فقبض مفتاح الدار قبض لها، والقبض الكامل فيما يحتمل القسمة بالقسمة حتى يقع القبض على الموهوب بالأصالة من غير أن يكون بتبعية قبض الكل، وفيما لا يحتمل القسمة بتبعية الكل. ا ه. وكذا الحكم من غير فرق في الصدقة والقرض والرهن والبيع الفاسد، لأنها كالهبة في الافتقار إلى القبض كما في المنبع هذا الذي ذكره في هبة العين. أما إذا وهب الدين فإنه لم يجز ما لم يأذن في قبضه وقبضه في المجلس بحضرته لا يجدي نفعا كما في الشروح وتقدم ذلك ويأتي. وفي الخانية: وكل الموهوب له رجلين بقبض الدار فقبضاها جاز. قوله: (ولو الموهوب شاغلا لملك الواهب لا مشغولا به) قال الشمني: ولو وهب دارا بمتاعها وسلمها فاستحق المتاع صحت الهبة في الدار، لان الاستحقاق تظهر به أن يده في المتاع كانت يد غصب وصار كما لو غصب الدار والمتاع.
وهب المالك له الدار، أو أودعه الدار والمتاع ثم وهب له الدار فإنه يصح ولو وهب أرضا وزرعها وسلمها فاستحق الزرع بطلت الهبة في الأرض، لان الزرع مع الأرض بحكم الاتصال كشئ واحد، فإذا استحق أحدهما صار كأنه استحق البعض الشائع فيما يحتمل القسمة، فتبطل الهبة في الباقي ا ه.
وفي الهندية: واشتغال الموهوب بملك غير الواهب، هل يمنع تمام الهبة ذكر صاحب المحيط في الباب الأول من هبة الزيادات أنه لا يمنع، فإنه قال: لو أعار داره من إنسان ثم المستعير غصب متاعا ووضعه في الدار، ثم وهب المعير الدار من المستعير صحت الهبة في الدار، وكذلك لو أن المعير هو الذي غصب المتاع ووضعه في الدار ثم وهب الدار من المستعير كانت الهبة تامة، وإن تبين أن الدار مشغولة بما ليس بموهوب، لما أنها لم تكن مشغولة بملك الواهب وهو المانع من تمام الهبة. كذا في الفصول العمادية.
لو أودعه الدار والمتاع ثم وهب الدار صحت الهبة، فإن هلك المتاع ولم يحوله ثم جاء مستحق واستحق المتاع كان له أن يضمن الموهوب له وذكر ابن رستم أن هذا قول محمد رحمه الله تعالى. أما في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى: لو استحق وسادة منها تبطل الهبة في الدار، كذا في التتارخانية ومثله في البحر عن المحيط ا ه.
لكن صرح في زيادات قاضيخان: أن الاشتغال بملك غير الموهوب له يمنع صحة الهبة. سواء كان ملك الواهب أو غيره، لكن الهبة إنما تمتنع إذا كان الاشتغال بمتاع في يد الواهب، أو في يد غير الموهوب له أما إذا كان المتاع في يد الموهوب له بغصب أو عارية، أو غير ذلك فلا تمتنع. واستدل عليه بمسائل الإجارة والغصب والاستحقاق، فظهر أن الأصل أن الهبة إذا كانت مشغولة بملك الواهب أو بملك غير الموهوب له تمنع الهبة إذا لم يكن في يد الموهوب له، كما في جامع الفصولين وأقره في نور العين، فتأمل. قوله: (والأصل أن الموهوب إن مشغولا بملك الواهب منع تمامها وإن شاغلا لا) عبارة العمادية: هبة الشاغل تجوز وهبة المشغول لا تجوز، والأصل في جنس هذه المسائل أن اشتغال الموهوب بملك الواهب يمنع تمام الهبة، لان القبض شرط. وأما اشتغال ملك الواهب بالموهوب، فلا يمنع تمام الهبة.