فلم يكن للتقييد، وأما هبة الدين ممن عليه فمجاز عن الاسقاط كما سبق، فالتعريف المذكور بالنسبة للحقيقة، وكذا لا يرد على التعريف الوصية لان المتبادر من تعريفها بأنها تمليك العين أي حالا. على أن الكرماني ذكر أنها هبة معلقة بالموت. ثم رأيت في القهستاني ما يفيد كون العارية من أفراد الهبة حيث قال بعد أن عرف الهبة بأنها تمليك العين ما نصه: ويخرج عنه الإجارة والعارية والمهايأة، لكن في النظم أن الهبة لعموم التمليك، حتى لو قال وهبت لك هذه الدار والثوب لتسكن فيها أو تلبسه شهرا فقبل يصح انتهى. لكن اللائق بالتعريف الذي ذكره المصنف ما قدمناه من الجواب بأن سكنى للتقييد.
قوله: (وفي البحر الخ) نقله عن الخلاصة، والذي في الهندية عن فتاوى قاضيخان أنه لا يكون هبة وعليه الاعتماد، وقدمنا الكلام فيه قريبا.
وأقول: قوله جعلته باسمك ليس بصحيح كما مر، فكيف يكون ما هو أدنى رتبة منه أقرب إلى الصحة؟ على أن الغرس باسم فلان يقصد به في عرفنا التبرك. وقد يفرق بأن ما مر ليس خطابا لابنه بل لأجنبي، وما هنا مبني على العرف تأمل.
قال في جامع الفتاوى: قطع ثوبا لولده الصغير صار واهبا له بالقطع له مسلما له قبل الخياطة، ولو كان كبيرا لا تصح الهبة إلا بعد الخياطة والتسليم.
وفي البزازية: اتخذ لولده ثيابا ليس له أن يدفعها إلى غيره إلا إذا بين وقت الاتخاذ أنها عارية، وكذا لو اتخذ لتلميذه ثيابا فأبق التلميذ فأراد أن يدفعها إلى غيره انتهى. لكن فرق في الخانية بين التلميذ والولد الصغير بأن بمجرد اتخاذ الأب لولده الصغير تصير ملكا له، أما التلميذ وولده الكبير فلا بد من التسليم كما ذكرنا.
ثم إن قوله إن بين وقت الاتخاذ الخ يفيد أنه لو سلمها لتلميذه ولم يبين أنها إعارة ليس له دفعها إلى غيره، ولعل وجهه أنه جعلها في مقابلة خدمته له فلا تكون هبة خالصة فلا يمكنه الرجوع فيها وإلا فما المانع منه. تأمل. قوله: (وتصح بقبول) أي ولو فعلا ومنه وهبت جاريتي هذه لأحدكما فليأخذها من شاء فأخذها رجل منهما تكون له وكان أخذه قبولا كما قدمنا، وكذا ما ذكره المقدسي:
دفع له ثوبين فقال أيما شئت لك والآخر لابنك فلان، إن بين الذي له قبل التفريق جاز وإلا لا. ا ه.
وما في البحر عن المحيط من أنها تدل على أنه لا يشترط في الهبة القبول مشكل انتهى.
قلت: يظهر لي أنه أراد بالقبول قولا، وعليه يحمل كلام غيره أيضا، وبه يظهر التوفيق بين القولين باشتراط القبول وعدمه، والله تعالى الموفق، وتقدم نظيره في العارية، نعم القبول شرط لو كان الموهوب في يده كما يأتي.
قال في التتارخانية: وفي الذخيرة: قال أبو بكر رحمه الله تعالى: إذا قال الرجل لغيره وهبت عبدي هذا منك والعبد حاضر فقبض الموهوب له العبد ولم يقل قبلت جازت الهبة، كذلك لو كان العبد غائبا فذهب وقبضه ولم يقل قبلت جازت الهبة. قال الفقيه أبو الليث: وبقول أبي بكر نأخذ.
وفي التهذيب: ولو قال قبضته قال أبو بكر جازت الهبة من غير قوله قبلت، ويصير قابضا في قول محمد وقال أبو يوسف: لا يصير قابضا ما لم يقبض انتهى، وقد سبق عن القهستاني أنه لا يشترط القبول، فإن من وضع ماله في الطريق ليكون لمن رفعه جاز، لكن قال المقدسي: وفي الخانية ما يخالف