لم يصلها بتيمم واحد، وإن طلب الماء أو طلب القدرة على استعماله شرط في صحة التيمم لما اتصل من الصلوات التي نواها عند القيام إليها، وإذا قلنا إن رواية أبي الفرج هذه مبنية على هذا الأصل فيلزم عليها إجازة الصلوات المكتوبات والنوافل بتيمم واحد إذا اتصلت، وكان تيممه لها كلها تقدمت، والنوافل أو تأخرت، وأن لا يجوز له أن يصلي بتيمم واحد من النوافل إلا ما نواه أيضا بتيممه واتصل عمله، وأن لا يجوز له بتيممه لمكتوبة نافلة لم ينوها وإن اتصلت بالمكتوبة.
فإن قال قائل: لا خلاف في المذهب في جواز النافلة بتيمم المكتوبة إذا اتصلت بها. قيل له: إذا جاز ذلك على هذه الرواية فليس على أصله فيها، وإنما هو مراعاة للخلاف في الأصل انتهى فانظره، إنما ذكر ذلك إلزاما على الرواية أبي الفرج ثم استشكل ذلك بأنه خلاف المذهب. وأجاب بأن ذلك هو الجاري على أصل هذه الرواية، ولعله حصل في نسخة المصنف من المقدمات سقط فأوهمه ذلك فتأمله. وقد بحثت عن اشتراط نية النافلة عند تيمم الفريضة وكشفت عن ذلك في أكثر من ثلاثين مصنفا من مصنفات أهل المذهب، فلم أر من ذكرها إلا المصنف في التوضيح ومن تبعه، بل نصوصهم مقتضية لعدم الاشتراط، بل منها ما هو صريح في ذلك منها: كلام ابن رشد المتقدم، ومنها قوله في التلقين: ويجوز الجمع بين الفرض والنفل إذا قدم الفرض، ويجوز النفل بتيمم الفرض ولا يجوز الفرض بتيمم النفل انتهى. فإن لم يحمل قوله: ويجوز النفل بتيمم الفرض على أنه إذا لم ينو النفل كان تكرارا مع قوله: ويجوز الجمع بين الفرض والنفل انتهى. وقال في الجواهر: ولو نوى استباحة الفرض جاز النفل أيضا معه للتبعية لكن بعده، ونحوه في الذخيرة ونصه: وإذا نوى استباحة الفرض استباح النفل لان الأدنى تبع للأعلى، وإذا نوى بتيممه النافلة فعل سائر النوافل، فإن نوى مس المصحف فعل القراءة وسجود التلاوة المتعلقة بمس المصحف. وهل له أن يتنفل به - وهو المروي عن مالك - أو يقال الوضوء لمس المصحف مختلف فيه فيضعف التيمم عن الوضوء؟ وهو لبعض الشافعية انتهى. وقال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: ولو نوى نفلا لم يجز الفرض وصلى من النفل ما شاء. قوله وصلى من النفل ما شاء لأنه إذا قصف الفرض جاز له فعل ما شاء من النفل، وإن لم يكن التيمم للنفل فلا يكون فعل النفل بتيمم النفل أولى، فهذا الكلام كله يقتضي أنه يتنفل بتيمم الفريضة وإن لم ينو النافلة إلا أن فيما ذكره ابن عبد السلام من الأولوية نظرا لان تيمم الفريضة أقوى من تيمم النافلة كما سنذكره الآن. وقال في الطراز: إذا تيمم لنافلة فلا يخلو إما أن يكون نافلة مخصوصة أو ينوي النفل عموما، فإن نوى عموم النفل أو نوى صلاة نافلة فله أن يتنفل بذلك ما شاء في فور واحد انتهى. فإذا جاز أن يصلي بتيمم نافلة غيرها من النوافل وإن لم تكن الثانية منوية، فأحرى أن يصلي بتيمم الفريضة نافلة لم تكن منوية.
ولا إشكال في ذلك، وقد تقدم في كلام ابن رشد أنه لما ألزم على رواية أبي الفرج أنه لا يصلي بتيمم الفريضة نافلة غيرها لم ينوها، ألزم أنه لا يصلي بتيمم النافلة، إلا ما نواه من النوافل فتأمله.
ومما يدل لعدم اشتراط نية النافلة ما يأتي في التنبيه الرابع إن شاء الله تعالى.