مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٩٦
الله تعالى عن ذلك، ومن أجاز دخول الخلاء مستصحبا معه ما فيه ذكر الله أو أن يذكر الله تعالى فيه أو يجيز الاستنجاء بالخاتم الذي فيه ذكر الله تعالى لقوله تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10) فلا يبعد جوازه انتهى.
قلت: فهذا ما وقفت عليه من النقول في هذه المسألة ولا بد من تلخيصه وتحصيله على حسب ما فهمته ليقرب للفهم، واعلم أنه لا ينبغي أن يختلف في استحباب ترك الذكر والقراءة من غير ضرورة في ذلك الموضع ولا في استحباب ترك الدخول إليه بكل ما فيه ذكر الله، وأن الجواز إذا أطلق في ذلك المعنى أنه ليس فيه كراهة شديدة لا أنه مستوى الطرفين أعني فعله وتركه، لأنه سيأتي أن السكوت مستحب عن كل كلام: إذا علم ذلك فيتحصل في الذكر في ذلك الموضع والقراءة فيه والدخول إليه بما فيه ذكر أو شئ من القرآن قولان: بالجواز والمنع. أما الجواز فهو الذي يفهم من كلام ابن رشد في سماع سحنون ومن اعتذاره عن ابن القاسم في رسم الشريكين بأنه يشق عليه تحويله إلى اليد اليمنى كلما دخل الخلاء، ومن كلام عياض في الاكمال ومن كلام صاحب الطراز ومن كلام البرزلي. وأما المنع فهو الذي يفهم من كلام المصنف ومن وافقه لأنه المشهور. وإذا قلنا به فهل معناه الكراهة أو التحريم؟ أما الذكر فيه والدخول إليه بما فيه ذكر أو قرآن، فالذي يفهم من كلام ابن رشد عياض وصاحب الطراز أن المنع عند من يقول به إنما معناه الكراهة، وهو صريح كلام الجزولي وصاحب المدخل. والذي يتبادر للفهم من كلام ابن عبد السلام المصنف في التوضيح والشارح أن المنع على التحريم وهو غير ظاهر إذ ليس في كلام أحد من المتقدمين ما يوافقه وهم لم يصرحوا بالتحريم، فيتعين حمل كلامهم على الكراهة ليوافق كلام المتقدمين، وأما قراءة القرآن فقد صرح في الجواهر بعدم جوازها في ذلك الموضع وهو الظاهر، وقد كرهوا القراءة في الطريق فيتعين حمل المنع على ظاهره، ولا شك أن الذكر هنا أشد كراهة من إدخال ما فيه ذكر وهذا حيث لا تدعو الضرورة إلى ذلك، وأما إذا دعت الضرورة إلى ذلك فقد تقدم في كلام صاحب المدخل أنه يجوز الذكر هناك للارتياع من غير كراهة، وعلى هذا فمن كان معه حرز وهو يخاف من مفارقته إياه فيجوز له أن يستصحبه معه من غير كراهة، لا سيما إن كان مخروزا عليه وهذا ظاهر، فإنهم أجازوا حمله للمحدث وللجنب وهما ممنوعان من مس القرآن وحمله، وأما من لا يخاف على نفسه فيكره إدخاله معه اللهم إلا أن يخشى عليه الضياع فيجوز.
تنبيه: قال ابن الجوزي فيما علقه على كتابه الحصن الحصين الذكر عند نفس قضاء الحاجة ونفس الجماع: لا يكره بالقلب بالاجماع، وأما الذكر باللسان حالته فليس مما شرع لنا ولا ندبنا إليه ولا نقل عن أحد من الصحابة، بل يكفي في هذه الحالة الحياء والمراقبة وذكر نعم الله تعالى في إخراج هذا القذر المؤذي الذي لو لم يخرج لقتل صاحبه وهو من أعظم الذكر ولو لم يقل اللسان انتهى. وأما مسألة الاستنجاء بالخاتم فيتحصل فيها ثلاثة أقوال: الجواز وهو
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»
الفهرست