على رسله فقد سألني إلى آخره، والعامل في " بعد " الفعل المقدر. واختلف في بأول من نطق ب " أما بعد " فقيل: داود عليه الصلاة والسلام وإنها فصل الخطاب الذي أوتيه وقيل: قس بن ساعدة، وقيل: كعب بن لؤي وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل: سحبان وائل. وأبان أو ضح، والمعالم جمع معلم بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه، وأصله الأثر الذي يستدل به على الطريق، واستعاره المصنف لما يستدل به على التحقيق، والتحقيق معرفة الشئ بدليله من غير تقليد فيه والمراد بمعالمه الأدلة التي يهتدى بها إليه والمعروف في سلك أنه يتعدى بنفسه قال تعالى:
(كذلك نسلكه) (الحجر: 12) وقال (ما سلككم) (المدثر: 42) وعداه المصنف بالباء كأنه ضمنه معنى دخل كقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من سلك طريقا يلتمس فيه علما صهل الله له طريقا إلى الجنة " رواه مسلم. وأنفع طريق هي الطريق الموصلة إلى معرفة الله سبحانه وتعالى وامتثال أوامره واجتناب ونواهيه. والضمير في قوله: " بنا " للشيخ ومن سأله، وفي بعض النسخ " بنا وبهم " فالضمير للمصنف فقط. ص: (مختصرا على مذهب الإمام مالك ابن أنس رحمه الله مبينا لما به الفتوى) ش: " مختصرا " صفة لمحذوف على تقدير مضاف أي تأليف كتاب مختصر.
والاختصار ضم بعض الشئ إلى بعض للإيجاز وهو إيراد المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة. قال النووي في (تهذيب الأسماء واللغات) اختلفت عبارات الفقهاء في معنى المختصر فقال الإسفرايني: حقيقة الاختصار ضم بعض الشئ إلى بعض. قال: ومعناه عند الفقهاء رد الكثير إلى القليل وفي القليل معنى الكثير. قال: وقيل: هو إيجاز اللفظ مع استيفاء المعنى. ولم يذكر صاحب الشامل وغيره هذا الثاني وذكرهما جميعا المحاملي. وقال صاحب الحاوي: قال الخليل:
هو ما دل قليله على كثيره يسمى اختصارا لاجتماعه ودقته كما سميت المخصرة مخصرة لاجتماع السيور، وخصر الإنسان لاجتماعه ودقته، انتهى بلفظه. والمذهب لغة الطريق ومكان الذهاب ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية، ويطلق عند المتأخرين من أئمة المذاهب على ما به الفتوى من باب إطلاق الشئ على جزئه، الأهم نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الحج عرفة " لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المتقلد والله أعلم.
ومالك هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي. بفتح الباء. نسبة إلى ذي أصبح بطن من حمير وهو من العرب حلفه في قريش بنى تيم الله فهو مولى حلف لا مولى عتاقة، هذا الذي عليه الجمهور خلافا لابن إسحاق وقد رد عليه ذلك غير واحد. وهو إمام دار الهجرة وعالم المدينة وأحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعي التابعين لأنه أدرك عائشة بنت سعد بن أبي وقاص. قال ابن رشد: وقد قيل فيها: إنها صحابية والصحيح فيها أنها ليست صحابية لأن الكلاباذي ذكرها في التابعيات ولم يذكرها ابن عبد البر في الصحابيات، قاله في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة. وجده أبو عامر من