مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٧
علمي، انتهى. وقال ابن رشد في المقدمات في كتاب السرقة، لما تكلم على مسألة اشتراك الجماعة في سرقة النصاب: فرحم الله مالك بن أنس فإنه كان أمير المؤمنين في الرأي والآثار وأعرف الناس بالقياس وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء انتهى. وقال أبو بكر بن سعدون: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مسألة اختلف فيها مالك والليث فقال: رأى مالك هو الصواب. وحكى في الديباج عن المدارك عن الإمام مالك أنه قال: جالست ابن هرمز ثلاث عشرة سنة ويروى ست عشرة سنة في علم لم أبثه لأحد من الناس. ومذهبه رضي الله عنه مبنى على سد الذرائع واتقاء الشبهات فهو أبعد المذاهب عن الشبه. ونقل ابن سهل عن بعضهم أنه قال: كل من زاغ عن ملهب ملك فإنه ممن رين على قلبه وزين له سوء علمه، فقد رأيت في أقاويل الفقهاء ورأيت ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا فلم أر مذهبا أنقى ولا أبعد من الزيغ من مذهب مالك، وجل من يعتقد مذهبا من المذاهب فيهم الخارجي والرافضي إلا مذهب مالك، فما سمعت إن أحدا ممن يقلده قال بشئ من هذه البدع فالاستمساك به نجاة إن شاء الله.
قلت: وفي أول هذا الكلام بشاعة ظاهرة ولا يحل لمسلم أن يعتقد ما قاله، فإن الأئمة المجتهدين رضي الله عنهم على هدى من ربهم وكل من قلد واحدا منهم فهو على هدى من ربه، ولعل هذا القائل إنما تكلم على بلاد المغرب فإنه ليس عندهم إلا مذهب ملك وكل من خرج عنه عندهم فلا يكون إلا من الخوارج، وإنما نقلته لأنبه على ما فيه والله سبحانه يعصمنا من الزلل ويو فقنا في القول والعمل بمنه وكرمه. وأما ما كرمه. وأما ذكره آخرا أعني قوله: (" فما سمعت أن أحدا ممن يقلده قال بشئ من هذه البدع " فهو كلام صحيح. قال السبكي في مفيد النعم ومبيد النقم: وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة يد واحدة كلهم على رأى أهل السنة والجماعة يدينون بطريقة شيخ السنة أبى الحسن الأشعري، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم ير مالكي إلا أشعري العقيدة. ثم قال في آخر كلامه يخاطب أهل المذاهب الأربعة: و أما تعصبكم في فروع الدين وحملكم الناس على مذهب واحد فهو الذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد، ولو أن الشافعي وأبا حنيفة ومالكا وأحمد أحياء يرزقون لشددوا النكير عليكم وتبرؤوا منكم فيما تفعلون، انتهى. وقال الإمام أحمد بن حنبل:
إذا رأيت الرجل ينقص مالكا فاعلم أنه مبتدع. قال أبو داود: وأخشى عليه من البدعة. وقال ابن مهدي: إذا رأيت الحجازي يحب مالكا فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت أحدا يتناوله فاعلم أنه على خلاف ذلك. قال في الديباج: وكان ربيعة إذا جاء مالك يقول: جاء العاقل.
واتفقوا على أنه كان أعقل أهل زمانه. وقال أحمد بن حنبل: قال مالك: ما جالست سفيها
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست