نسيه، وإن كان صلى بذلك الوضوء فإنه يعيد الصلاة أيضا في الوقت وبعجه بعد أن يأتي بذلك الذي نسيه، وقد تقدم بيان ذلك في الموالاة. وإنما ذكره المصنف هنا لينبه على حكم من ترك سنة. وقوله: أتى به يريد وبما بعده إن ذكر ذلك بالقرب، وإن ذكر ذلك بعد البعد فإنه يأتي به وحده، وإنما لم ينبه المصنف على هذا اكتفاء بما ذكره في التنكيس، لان حكم المنكس والمنسي عند ابن القاسم سواء. وقد تقدم بيان ذلك كله في الكلام على الموالاة أيضا، وتقدم هناك أيضا حكم ما إذا أخره بعد ذكره عامدا أو ناسيا أو لعدم الماء والله تعالى أعلم. وأما من ترك سنة من سنن الوضوء ناسيا لها فإنه يأتي بها فقط، سواء ذكرها بالقرب وبالبعد، وإن كان صلى بذلك لم يعد الصلاة.
تنبيهات: الأول: هذا حكم من ترك سنة مستقلة لم يفعل في موضعها فعل. قال ابن بشير: وحقيقة ما يعاد من السنن المتروكة في الوضوء وما لا يعاد، أن كل سنة إذا تركت ولم يؤت في محلها بعوض فإنها تعاد، وهذا كالمضمضة والاستنشاق ومسح داخل الاذنين والترتيب. وكل سنة عوضت في محلها كغسل اليدين قبل إدخالهما في الاناء ومسح الرأس عائد من المقدم إلى المؤخر، فلا تعادلان محلها قد حصل فيه الغسل والمسح انتهى. ونقله ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الصلاة الأول في شرح قوله لا يجزئ من الاحرام إلا الله أكبر ولفظه: قال ابن بشير، كل سنة في الوضوء لم يعد موضعها من فعل فإنها إذا تركت لا تعاد كمن ترك غسل اليدين قبل إدخالهما في الاناء والاستنثار ورد اليدين في مسح الرأس انتهى. وذكر ابن عرفة كلام ابن بشير وقال بعده: قلت: يرد بعموم نقل الشيخ عن ابن حبيب إعادة ما ترك من مسنونه وإن سلم في اليدين فلاستحالة تلافيه لتقييده بالقبلية وتلافيها مستحيل، أو موجب إعادة الوضوء فتصير السنة واجبة انتهى.
قلت: قد سلم ما قاله ابن بشير إذا كان لا يعيد غسل اليدين فلم يبق إلا رد مسح الرأس والاستثنار، وهما أولى بعدم الإعادة لان إعادتهما تستلزم تكرار مسح الرأس بماء جديد، أو مسحه من غير بلل في اليد ولا فائدة فيه كما تقدم في كلام اللخمي. وكذلك الاستنثار لا يتصور فيه الإعادة إلا بإعادة الاستنشاق فالصواب تقييد ما نقله الشيخ عن ابن حبيب بما عدا الثلاثة المذكورة فتأمله والله تعالى أعلم. وقال الفاكهاني: قال ابن القصار: من سها عن رد يديه في مسح الرأس فإن ذكر قبل أخذ الماء لرجليه فليعد بيديه على رأسه، وإن بل يديه بالماء بعد مسح رأسه فلا يعيدها لان ذلك تكرار مسح على الوجه المكروه انتهى. وذكره سند في أول كتاب الطهارة على أنه المذهب، فتحصل من هذا أن السنن التي تفعل إذا تركت، المضمضة والاستنشاق ومسح الاذنين وتجديد الماء لهما والترتيب.
الثاني: إذا ترك السنة ثم تذكرها فإنه يفعلها ولا يعيد ما بعدها كما سيأتي عن الموطأ.