مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٢٦١
الاتيان بها كوضوء النافلة، وهو بهذا المعنى أعم من الأول. ويشاركه الأول في أنه يأثم بفعل العبادة بدونه، وينفرد عنه بأنه لا يأثم بتركه مع ترك العبادة المتوقفة عليه. والوضوء بضم الواو واسم للفعل وبفتحها اسم للماء، وحكي عن الخليل الفتح فيهما وعن غيره الضم فيهما وهذا ضعيف، والأول هو المعروف في اللغة، حكى اللغات الثلاث النووي في شرح المهذب، وهو مشتق من الوضاءة بالمد وبالضاد المعجمة وهي النظافة والحسن. ويطلق الوضوء في اللغة على غسل عضو فما فوقه ومنه حديث أبي داود والترمذي بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده وهو حديث ضعيف. والمراد به غسل اليد ومحمله عندنا ما إذا أصابها أذى من عرق ونحوه ومنه الحديث الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم ويصحح البصر ذكره صاحب الجمع وذكره في الاحياء ولم يذكر قوله: ويصحح البصر. وأما في الشرع فهو غسل أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص.
فوائد: الأولى: اختلف متى فرضت الطهارة للصلاة، فقال الجمهور: من أول الأمر حين فرضت الصلاة وإن جبريل نزل صبيحة الاسراء فهمز النبي (ص) بعقبه فتوضأ وعلمه الوضوء.
وقال ابن الجهم: كانت في أول الاسلام سنة ثم فرضت في آية التيمم. نقله الآبي في شرح مسلم عن القاضي عياض، وكلام القاضي أتم فلينظر. قال ابن حجر في أول كتاب الوضوء:
وجزم ابن حزم بأن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة ثم رد ذلك عليه.
الثانية: ذكر السهيلي في الروض الأنف في غزوة السويق في شرح قوله: وكان أبو سفيان نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغز ومحمدا ما نصه: فيه أن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية من بقايا دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما بقي فيهم الحج والنكاح ولذلك سموها جنابة. وقالوا: رجل جنب لمجانبتهم البيت الحرام في تلك الحال. ولذلك عرفوا معنى هذه الكلمة في القرآن أعني قوله: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * (المائدة: 6) ولم يحتاجوا إلى تفسيره بخلاف الوضوء فإن لم يكن معروفا قبل الاسلام فلذلك لم يقل لهم من كان محدثا فليتوضأ قال الله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) * (المائدة: 6) الآية. فبين الوضوء وأعضاءه وكيفيته وسببه ولم يحتج إلى ذلك في الجنابة انتهى.
الثالثة: قال في الاكمال قال غير واحد من أهل العلم: إن الغرة والتحجيل مما اختصت به هذه الأمة وقوله (ص) في حديث مسلم: لكم سيما ليست لاحد من الأمم تردون علي غرا محجلين يدل على ذلك. وقال الأصيلي وغيره: هذا الحديث يدل على أن الوضوء مما
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»
الفهرست