مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٢٥٢
السادس عشر: إذا اشتبهت الأواني على رجلين فأكثر، فعلى القول الأول الذي مشى عليه المصنف وما أشبه من الأقوال لا إشكال في ذلك فيتوضؤن من الأواني بعدد النجس ويصلون، ويجوز أن يؤمهم أحدهم. وعلى القول بالتحري فإن اتفق تحريهم على إناء فلا إشكال، وإن اختلف اجتهادهم فتحرى كل واحد خلاف ما تحراه الآخر. قال المازري: لم يأتم أحدهم بصاحبه في الصلاة التي تطهر لها بالماء الذي خالفه فيه قال: وكذلك لو كثرت الأواني وكثر المجتهدون واختلفوا فكل من ائتم منهم بمن يعتقد أنه تطهر بالماء النجس فلا تصح صلاته انتهى. ونقل صاحب الجمع عن ابن هارون بعد ذكره كلام المازري ما نصه: عدم الائتمام عندي مقيد بأن يكون الطاهر منها واحدا، وأما لو كان الطاهر منها أكثر من واحد لجاز أن يأتم به إذ لا يجزم بخطأ إمامه، وهذا إن كان مذهبه تصويب المجتهد، وإن كان ممن يرى الصواب في طريق واحد ففيه نظر انتهى.
قلت: في كلام المازري إيماء إلى أنه إن كثرت الأواني فلا يمتنع الائتمام إلا بمن يعتقد أنه تطهر بالنجس، وقد بحث صاحب الجمع في هذه المسألة وأطال.
السابع عشر: قال ابن عبد السلام: ذكر ف‍ الجواهر فرعا مرتبا على قول ابن مسلمة قال: لو كان معه إناءان فتوضأ منهما وصلى على ما تقدم ثم حضرت صلاة أخرى، فإن كانت طهارته باقية وهو يعلم الاناء الذي توضأ به آخرا صلى صلاة بالطهارة التي هو عليها ثم غسل أعضاءه من الاناء الذي توضأ به أولا وصلى، وإن لم يكن على طهارة أو كان عليها ولم يعلم الاناء الذي توضأ منه آخرا توضأ بالإنائين كما فعل أولا. قال ابن عبد السلام: يعني - والله أعلم - بعد أن يغسل أعضاءه من الاناء الذي يبتدئ الآن منه الطهارة.
قلت: ما ذكره من عند نفسه نص عليه في النوادر عن ابن مسلمة، ونقل عنه أنه إن عرف الآخر وانتقض وضوؤه فإنه يتوضأ منه ولا يغسل أعضاءه لأنه هو، وقد ذكر ابن عرفة وابن فرحون كلام النوادر. وظاهر كلام ابن شاس أن ما ذكره إجراء، وقد علمت أنه نص عن ابن مسلمة وظاهر كلامه أنه خاص بقول ابن مسلمة وليس كذلك بل يتفرع أيضا على قول ابن الماجشون الذي مشى عليه المصنف، وقد نقله في النوادر، ونص عن سحنون وابن الماجشون وذكر ذلك عن ابن عرفة والله تعالى أعلم. ثم قال ابن عبد السلام: واستشكل بعض أئمة المتأخرين قوله في القسم الأول من هذا الفرع: غسل أعضاءه من الاناء الثاني ثم يتوضأ به، ورأي أنه لا موجب لابتداء الوضوء مع بقاء الطهارة، وإنما ينبغي أن يصلي ثم يغسل أعضاءه خاصة ثم يصلي. وروى بعض أشياخي أن هذا الفرع جرى على قول ابن مسلمة ومذهبه صحة رفض الطهارة. قال: فلعله رفض الطهارة الأولى. قال: وهذا يحتاج إلى زيادة تحقيق يطول الكلام من أجلها انتهى. ولعل بعض أئمة المتأخرين الذي أشار إليه هو الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، فإن صاحب الجمع ذكر أنه اجتمع بابن عبد السلام وذكر له هذا
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست