وهو مذهب مالك وعامة الفقهاء إلا ما خففوه في الدم. وقال الثوري: كانوا يرخصون في القليل من البول، ورخص أهل الكوفة في مثل رؤوس الإبر. وقال مالك والإمام الشافعي وأبو ثور:
يغسل. وحكى القاضي إسماعيل أن غسل ذلك عند مالك على طريق الاستحسان والتنزه، وهذا مذهب الكوفيين خلاف المعروف من مذهبه انتهى بلفظه. وعبر عنه في التوضيح بقوله: وحكى في الاكمال عن مالك اغتفار ما تطاير من البول مثل رؤوس الإبر، ثم اغتفاره يحتمل أن يكون عاما في كل يسير من البول، ويحتمل أن يكون عن بوله لأنه محل الضرورة لتكرره انتهى.
وقوله: ثم إلى آخره أصله لابن عبد السلام، وكلام ابن فرحون يوهم أن ما حكاه القاضي إسماعيل غير ما في الاكمال لعطفه عليه وهو وهم كما تقدم. وقال ابن الإمام: ظاهر نقل القاضي عياض عن القاضي العفو عن رؤوس الإبر مطلقا لا بقيد التطاير، وظاهر نقل ابن بطال عنه أنه فيما تطاير وهو أقرب لعسر الاحتراز منه حينئذ. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى في شرح الرسالة بعد ذكره المشهور: والأقرب من القولين العفو، والأقرب من احتمال ابن عبد السلام الأول، لان المشهور في الدم العفو عموما فكذلك البول. وقال ابن راشد رحمه الله تعالى: لما تكلم على الاحداث المستنكحة ألحق القاضي أبو الوليد بهذا القبيل ما يغلب على الظن من البول المتطاير من الطرقات إذا لم يتبين، لكنه كثير متكرر يغلب على الظن وجوده وتكرره وكثرته فلا يجب غسله من ثوب ولا خف ولا جسد إذ لا يمكن الاحتراز منه انتهى. ونقله ابن فرحون وابن عرفة ونصه الباجي: وعما تطاير من نجاسة الطريق وخفيت عينه وغلب على الظن ولم يتحقق وقبله المازري. والظاهر أن مراده أن الطرقات يغلب على الظن وجود البول وتطايره فيها فإذا وطئ برجله أو خفه أو وقع ثوبه على شئ من الطريق فلا يغسله ولو كان ذلك مبلولا. وفي مسائل الصلاة من البرزلي مسألة من توضأ وخرج بالقبقاب فنزلت رجله وهي مبلولة فأخذت من تراب الأرض فصلى به لا إعادة عليه. قال البرزلي: لان غيار الطريق الأصل فيه الطهارة. انتهى.
الثاني: قال في الارشاد: ويعفى عن يسير كل نجاسة ما عدا الأخبثين وهو قدر الدرهم فدونه. وقال الشيخ زروق: يعني أن كل نجس خارج من الجسد يعفى عن قليله إلا البول والغائط وليس ذلك إلا الدم وتوابعه من القيح والصديد انتهى. وعموم كلام الارشاد مشكل، ففي المدونة: والبول والرجيع والمني والمذي والودي وخرء الطير التي تصل إلى النتن وزبل الدواب وأبوالها قليلة وكثيرة سواء، يغسل وتقطع منه الصلاة إلا أنه يدخل في قول الشارح الدم وتوابعه ما يسيل من الجراح من مائية أو من نفط النار وما ينفط أيام الحر في بدن الانسان، فإن نجاسة ذلك واضح كما تقدم في الكلام على القيح والصديد، ويكون ما خرج من تلك النفاطات من نفسه بمنزلة ما يخرج من الدمل من غير نك ء، يعفى عن كثيره وقليله.
الثالث: إذا اتصل اليسير المعفو عنه مما تقدم بمائع، فهل العفو باق أم لا؟ لم أر نصا صريحا في ذلك والظاهر أن العفو باق خلافا للشافعية، وفروع المذهب تدل على ذلك. قال