مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ١٧١
تعالى في شرح الرسالة: وأفتى غير واحد من شيوخنا بحرمته قال: ومن هذا المعنى غسل القرحة بالبول إذا أنقاها بعد ذلك بالماء. وقال ابن مرزوق: هذا مقتضى إطلاق المصنف وهو المشهور.
وقال ابن الحاجب في باب الشرب: والصحيح لا يجوز التداوي بما فيه خمر ولا ينجس. قال في التوضيح الباجي وغيره: إنما هذا الخلاف في ظاهر الجسد يعني ويمنع في الباطن اتفاقا، وما عبر عنه المصنف بالصحيح عبر عنه ابن شاس بالمشهور. وقال ابن عبد السلام: وأجاز مالك لمن عثر أن يبول على عثرته، وسيأتي للمصنف رحمه الله في باب الشرب أنه لا يجوز التداوي بالخمر ولو طلاء وقال في المقدمات: لا يجوز التداوي بشرب الخمر ولا بشرب شئ من النجاسات، فأما التدواي بذلك من غير شرب فذلك مكروه بالخمر ومباح بالنجاسات ولم يحك في ذلك خلافا، وله نحو ذلك في سماع أشهب من كتاب الجامع في شرح مسألة غسل القرحة بالبول أو بالخمر. قال فيها مالك: إذا أنقي ذلك بالماء بعد فنعم وإني لأكره الخمر في كل شئ - الدواء وغيره - تعمدا إلى ما حرم الله تعجلي في كتابه وذكر نجاسته يتداوى به.
ولقد بلغني أن هذه الأشياء يدخلها من يريد الطعن في الدين والغمص عليه. قيل له: فالبول عندك أخف؟ قال: نعم وعلى ذلك اقتصر الباجي أيضا في جامع المنتقى، ونقل عنه ابن عرفة خلاف ذلك، ونصه الباجي المشهور منع التداوي بالخمر في ظاهر الجسد وفي نجس غيره قولان لابن سحنون ومالك. وحكى الجزولي رحمه الله تعالى في ذلك ثلاثة أقوال: بالجواز مطلقا وبالمنع مطلقا والتفصيل بين الخمر وغيرها وقال: إنه المشهور. وذكر أنه جاء في الحديث أن الخمر تطفئ حرارة النار واقتصر الزناتي على القول بالجواز، وحكاه ابن عبد الوهاب قائلا: إذ ليس فيه أكثر من التلطخ بنجاسة قدر على إزالتها بعد انقضاء الغرض منها، وحكاية ابن عرفة وغيره الخلاف في ذلك أظهر ممن لم يحك فيه خلافا فقد نقل سند في كتاب الطهارة عن شيخه الطرطوشي أنه قال: أصل مذهب ابن الماجشون أنه لا ينتفع بشئ من النجاسات في وجه من الوجوه حتى لو أراق إنسان خمرا في بالوعة فإن قصد بذلك دفع ما اجتمع فيها من كناسة لم يجز ذلك انتهى. قال ابن مرزوق: ومقتضى كلامه أنه لا يطعم الميتة لكلابه وهو خلاف المعروف من قول مالك وأصحابه، وهو خلاف ما نص عليه الأبهري لأنه قال: ينتفع بلحمها بأن يطعمه لكلابه وكذلك الخمر يصبها على نار يطفئها بها. والمعروف من قول مالك وأصحابه أنه لا ينتفع بالخمر في شئ انتهى. وانظر قوله: لا ينتفع بها هل هو على المنع أو الكراهة؟ أما الكراهة فلا إشكال فيها لقول مالك المتقدم: أكره الخمر في كل شئ بل الظاهر المنع إذا قصد مجرد الانتفاع بها لان الشارع أمر بإراقتها ولم يأذن في إبقاء اليد عليها أيضا، وأما لو قصد إراقتها وطفي النار بها أو كنس البالوعة بها ولا محذور في ذلك كما قاله الأبهري إلا على قول ابن الماجشون وفي سماع ابن القاسم من كتاب الصيد والذبائح في الطير يوضع بها الخمر فتشرب وتسكر لا بأس بأكلها، ولم يتكلم على حكم الفعل ابتداء،
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست