ذكر أن الطعام يتنجس بملاقاة النجاسة، فأخذ يبين ما لا يقبل التطهير من الأشياء التي أصابتها النجاسة. وقوله: بنجس متعلق بصلق ويقدر ضمير فيما قبله وتنازع أكثر من ثلاثة عوامل، نفاه أبو حيان وابن هاشم وذكر الدماميني في شرح التسهيل إثباته عن بعضهم والمصنف يستعمله. وقوله: زيت لا يريد خصوصية الزيت بل وكذا حكم غيره من الادهان كما قاله ابن الحاجب. وعلم أن غير الادهان من المائعات كاللبن والمرق أولى بعدم قبول التطهير لان الخلاف إنما هو في الادهان هل يمكن تطهيرها أم لا؟ لان الادهان يخالطها الماء ثم ينفصل عنها بخلاف غيرها فإنه يمازجها جميعها. وحكى ابن عرفة في تطهير الزيت المخلوط بالنجس أربعة أقوال، وقال ابن غازي: أما زيت خلط بنجس ففي تطهيره بطبخه بماء مرتين أو ثلاثا، ثالثها إن كثر ورابعها إن تنجس بما ماتت فيه دابة لا بموتها في الزيت. فالأول: لسماع أصبغ من ابن القاسم عن مالك وفتيا ابن اللباد، والثاني: للباجي عن ابن القاسم، والثالث: لأصبغ، والرابع لابن الماجشون ويحيى بن عمر. وذكر البرزلي عن اللخمي أنه أفتى بأن النجاسة إن كانت دهنية فلا تقبل التطهير لكن إن كان زمن مسغبة جاز أكله للفقراء والمساكين، وإن لم يكن مسغبة انتفع به في غير الاكل والبيع، وإن كانت كالبول ونحوه فإنه لا يقبل التطهير.
وهذا لا ينبغي أن يعد قولا رابعا وإنما هو بيان لمحل الخلاف، فإن النجاسة إذا كانت دهنية فإنه لا يقبل التطهير لممازجتها له والله أعلم. وأما قوله: يأكله الفقراء والمساكين فلعله مراعاة لمن يقول إن الطعام لا ينجس بما خالطه إلا إذا غيره وهو قول ضعيف حكاه البرزلي. وذكر ابن بشير أن المشهور أن الزيت لا يطهر وبذلك أفتى الصائغ والمازري. وذكر ابن عرفة في كيفية التطهير أنه يطبخ بالماء مرتين أو ثلاثا وكذلك قال في العتبية. وقال في التوضيح: كيفيته على القول به أن يؤخذ إناء فيوضع فيه شئ من الزيت ويوضع عليه ماء أكثر منه وينقب الاناء من أسفله ويسده بيده أو غيرها، ثم يمخض الاناء ثم يفتح الاناء فينزل الماء ويبقى الزيت، يفعل ذلك مرة بعد مرة حتى ينزل الماء صافيا انتهى. وذكر ابن فرحون الصفتين. وقوله: ولحم طبخ بنجس شامل لما نجس أو وقعت فيه نجاسة في حال طبخه، وكذلك غير اللحم من المطبوخات، وقد حكى ابن عرفة في تطهير اللحم يطبخ بماء نجس أو تقع فيه نجاسة ثلاثة أقوال، ثالثها إن وقعت بعد طيبه. الأول: لسماع موسى من ابن القاسم، والثاني: لسماع أشهب، والثالث: نقله ابن رشد عن أبي حنيفة واختاره وتبعه ابن زرقون وهو قصور لان عبد الحق والصقلي نقلاه عن السليمانية انتهى.
قلت: كلام ابن رشد الذي أشار إليه هو في سماع موسى من كتاب الوضوء وهو الذي يفهم من كلام المصنف فيتعين حمله عليه. وقول ابن غازي يأبى ذلك اعتماده في التوضيح.
تشهير ابن بشير عدم الطهورية في هذا الأصل ليس بظاهر، لان ابن بشير، إنما تكلم في اللحم إذا طبخ بماء نجس وذكر فيه قولين ولم يتكلم على مسألة وقوع النجاسة بعد طيبه بل كلامه