نجاسة فتغيره إذا وقعت في الماء الجاري نجاسة، فإن كانت جارية مع الماء فما فوقها طاهر إجماعا، وأما الجرية التي فيها - وهي ما بين حافتي النهر عرضا - فذلك في حكم الماء تقر فيه الميتة لأنه يتحرك معها بحركة واحدة، وأما الجرية التي تحتها فطاهرة، ولا ينبغي أن يستعمل ما يليها لأن الماء ربما يسبق جريه جريها سيما، إذا قويت الأرياح. وأما إن كانت النجاسة قائمة والماء يجري عليها فقد قدمنا قول أصحابنا في بئر السانية وشبهها مما ماؤه غير مستقر والميتة فيه أنه لا بأس به، والنهر الجاري أقوى من ذلك إلا أن الأحسن أن يتوقى ما قرب من النجاسة من تحت جريها انتهى. فيفهم منه أن ما فوق النجاسة لا تعلق له بالنجاسة. قال في التوضيح فيما إذا كان المستعمل بعد محل السقوط والمسألة على وجهين: أحدهما أن يجري الماء بذلك الحال مع بقاء بعضه في محل الوقوع فينظر إلى ما بين محل الوقوع والاستعمال فقد يكون يسيرا وقد يكون كثيرا، والمحل إما أن يكون نجسا أو طاهرا أجره على ما تقدم، ولا يعتبر هنا المجموع من محل النجاسة إلى آخر الجرية. والوجه الثاني أن ينحل المغير، وفي هذا الوجه ينظر إلى مجموع ما بين محل الوقوع ومحل تأثير ذلك الحال المغير، فلو كان مجموع الجرية كثيرا ومن محل الوقوع إلى محل الاستعمال يسيرا جاز الاستعمال لكون المغير قد ذهب في جميع ذلك انتهى.
وانظر قوله في الوجه الأول فينظر إلى مجموع ما بين محل الوقوع والاستعمال فإنه مخالف لظاهر ما تقدم عن ابن عبد السلام وابن عرفة ولما سيأتي في كلام الآبي، وكذلك ينظر لقوله في الوجه الثاني: ما بين لحل الوقوع ومحل تأثير ذلك المغير فإن الظاهر فيه كما قال صاحب الطراز: إن المعتبر الجرية التي فيها النجاسة. ويأتي في كلام الآبي أن المعتبر من محل النجاسة إلى منتهى الجري. ثم قال في التوضيح بعد أن ذكر ما تقدم: وهذا ما ظهر من البحث في كلامه يعني ابن الحاجب ولم أرها منصوصة للمتقدمين هكذا. نعم قال أبو عمر بن عبد البر في كافية: إن الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جرى بها فما بعدها منه طاهر، وأشار عياض في الاكمال لما تكلم على قوله (ص) لا يبولن أحدكم في الماء الدائم إلى أن الجاري كالكثير انتهى.
قلت: وهذا هو الظاهر من كلام أهل المذهب. نعم إن كانت النجاسة ظاهرة فيعتبر المحل الذي هي فيه، فإن كان الماء كثيرا جاز الوضوء منه، وإن كان يسيرا كره لان الفرض أن الماء لم يتغير. وقال الآبي في شرح قوله (ص) لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري. قال عياض: التقييد بلا يجري يدل على أنه يجوز في الجاري وأنه لا يتنجس، لان