الماء قلتين لم يحمل الخبث رواه أصحاب السنن. فإن الحديث يقتضي أن ما بلغ قلتين فهو كثير، وهذا القائل حكم بأنه قليل وهذا الحديث تكلم فيه جماعة. وقال ابن عبد البر: إن أسانيده معلولة ولكنه صححه جماعة من الشافعية كالدارقطني وغيره. وقال أصحابنا: إنه لا يعارض حديث أبي داود والترمذي المتقدم لان ذلك متفق على صحته وهذا مختلف في صحته، وأيضا فإنه إنما يدل بالمفهوم والمفهوم لا يعمل به إلا إذا لم يعارضه دليل أرجح منه.
وقد قال الغزالي رحمه الله في الاحياء، لما ذكر مذهب الإمام الشافعي رحمه الله في اشتراط بلوغ الماء قلتين ما نصه. هذا مذهب الشافعي رحمه الله وكنت أود أن مذهبه كمذهب مالك في أن الماء وإن قل فلا ينجس إلا بالتغير إذ الحاجة ماسة إليه ومثار الوسواس اشتراط القلتين، ثم استدل على عدم اشتراط القلتين بالحديث المتقد وبإصغائه (ص) الاناء للهرة وبوضوء عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية وبغير ذلك ثم قال: هو - يعني حديث القلتين - تمسك بالمفهوم فيما لم يبلغ قلتين، وترك المفهوم بأقل من الأدلة التي ذكرناها ممكن انتهى. وحكى ابن عبد السلام أيضا قولا بأنه ليس له حد بمقدار بل بالعادة. ومقتضى كلام ابن بشير أن اليسير هو الذي إذا حرك أحد طرفيه تحرم الآخر في الحال فإنه قال: إن كان المخالط نجسا فإن غير لون الماء أو طعمه كان نجسا بإجماع، وإن غير ريحه فكذلك على المشهور. ثم قال: وإن لم يتغير والماء كثير بحيث إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك في الحال الطرف الثاني فهو باق على الطهارة، وإن كان يسيرا ولم يتغير ففيه ثلاثة أقوال وهذا غريب والله أعلم.
تنبيهات: الأول: لو كان الماء كثيرا وخالطته نجاسة لم تغيره ثم فرق أو استعمل حتى صار قليلا، فذكر ابن فرحون الاتفاق على طهوريته فلا يكون مكروها، وهذا ظاهر لا شك فيه والله أعلم. ذكره في الكلام على الماء الجاري.
الثاني: لو كان الماء قليلا وخالطته نجاسة ولم تغيره وقلنا: إنه مكروه ثم صب عليه ماء مطلق حتى صار كثيرا، فلا إشكال في طهوريته ونصوصهم كالصريحة في ذلك. وأما لو جمع إليه مياه قليلة كل منها قد خالطته نجاسة ولم تغيره حتى صار المجموع كثيرا فلم أر فيه نصا، والظاهر انتفاء الكراهة. وقد صرح الشافعية بأنه يصير طهورا وهو مما يقوى فيه اختيار ابن عبد السلام في الماء المستعمل إذا جمع حتى صار كثيرا.
الثالث: قال البرزلي في مسائل الطهارة عن بعض المصريين في إناء وضوء وقعت فيه نجاسة فصب فيه الماء حتى فاض وإن كان الاناء كبيرا والنجاسة يسيرة وصب فيه من الماء كثير حتى تحقق خروج النجاسة فإنه يطهر، وكذا لو كانت كثيرة وصب الماء كذلك، وكذلك لو كان الاناء صغيرا والنجاسة كذلك ولو كان النجس كثيرا في الاناء الصغير وصب الماء حتى فاض فالغالب عدم طهارته انتهى. يعني على القول بأنه غير طهور، وأما على المشهور فإنه يكره استعماله مع وجود غيره.