6 - وكذلك هناك خلاف بين الفقهاء حول اعتبار القذف من الجنايات التي تؤاخذ الناس عليها شرطة الدولة ومحكمتها، فيقول ابن أبي ليلى أنه من حق الله فيجب أن يقام عليه الحد سواء أطالب به المقذوف أو لم يطالب وهو من حق الله ولكن المقذوف فيه حق من حيث دفع العار عنه عند أبي حنيفة وأصحابه أيضا، ولكن بمعنى أنه إذا ثبتت الجريمة على أحد وجب أن يقام عليه الحد، ولكن يتوقف رفع أمره إلى الحكام على إرادة المقذوف ومطالبته فهو من هذه الجهة من حقوق العباد.
وهذا الرأي هو الذي ذهب إليه الشافعي والأوزاعي، وأما مالك فعنده التفصيل، فيقول: ان قذف القاذف بحضور من الامام يؤخذ عليه والا فإن إقامة الدعوى عليه متوقفة على مطالبة المقذوف.
7 - ليس القذف من الجرائم التي يجوز التراضي عليها بين الفريقين 8 - وعند الحنفية لا يطالب بإقامة الحد على القاذف الا المقذوف نفسه أو من لحق بنسبه العار لقذفه عندما لم يكن المقذوف نفسه حاضرا للمطالبة كالوالد والوالدة والأولاد وأولاد الأولاد.
وعند مالك الشافعي هذا حق من الحقوق القابلة للموارثة، فإذا مات المقذوف قبل استيفائه الحد على القاذف فلورثته أن يطالبوا به، غير أنه من العجب أن الشافعي يستثنى من الورثة الزوج والزوجة، ويستدل على ذلك بأن علاقة الزوجية ترتفع بالموت وأن المقصود من الحد دفع العار عن النسب وهو لا يلحق بالزوج وبالزوجة - وهذا استدلال غير قوى في حقيقة الامر - فإذا كانت المطالبة بإقامة الحد على القاذف حقا يرثه ورثة المقذوف بعد موته فما هناك سبب معقول لان يحرم منه الزوجان.
9 - وإذا ثبت عن رجل أنه ارتكب القذف فإن الشئ الوحيد الذي ينقذه من الحد هو أن يأتي بأربعة شهداء، ويجب أن يحضر هؤلاء الشهداء المحكمة مجتمعين ويؤدوا الشهادة في وقت واحد، وبهذا قال الحنفيون أما الشافعيون فقد ذهبوا إلى أنه لا يحصل أي فرق بحضور الشهداء المحكمة مجتمعين أو متفرقين