وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه. وهو من زهاد الصحابة وفقهائها أنه قال إني لأجم قلبي شيئا من الباطل لأستعين به على الحق، فأما إذا أكثر من الغناء أو اتخذه صنعة يغشاه الناس للسماع أو يدعى إلى المواضع ليغنى ردت شهادته لأنه سفه وترك للمروءة، وإن اتخذ جارية ليجمع الناس لسماعها ردت شهادته لأنه سفه وترك مروءة ودناءة.
(فصل) ويحرم استعمال الآلات التي تطرب من غير غناء كالعود والطنبور والمعزفة والطبل والمزمار، والدليل عليه قوله تعالى (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال ابن عباس انها الملاهي. وروى عبد الله ابن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزمار والكوبة والقنين) فالكوبة الطبل القنين البربط.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تمسخ أمة من أمتي بشربهم الخمر وضربهم بالكوبة والمعازف) ولأنها تطرب وتدعو إلى الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة والى اتلاف المال فحرم كالخمر، ويجوز ضرب الدف في العرس والختان دون غيرهما لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) ويكره القضيب الذي يزيد الغناء طربا ولا يطرب إذا انفرد لأنه تابع الغناء، فكان حكمه حكم الغناء، وأما رد الشهادة فما حكمنا بتحريمه من ذلك فهو من الصغائر، فلا ترد الشهادة بما قل منه وترد بما كثر منه كما قلنا في الصغائر، وما حكمنا بكراهيته واباحته فهو كالشطرنج في رد الشهادة وقد بيناه.
(فصل) وأما الحداء فهو مباح لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة نام بالوادي حاديان. وروت عائشة رضي الله عنها قالت: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء وكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحه (حرك بالقوم) فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة فأعتقت الإبل في السير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك رفقا بالقوارير.