قال: فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار، ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب (1).
وفي الطبقات الكبرى ومسند أحمد، قال محمود بن لبيد: سمعت عثمان على المنبر يقول: لا يحل لأحد أن يروي حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر (2).
وعن معاوية أنه قال: أيها الناس! أقلوا الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن كنتم تحدثون، فحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر (3).
وهذه النصوص توضح لنا انقسام المسلمين إلى اتجاهين.
1 - اتجاه الشيخين ومن تبعهما من الخلفاء، فإنهم كانوا يكرهون التدوين ويحضرون على الصحابة التحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2 - اتجاه جمع آخر من الصحابة قد اتخذوا التدوين مسلكا ومنهجا حتى على عهد عمر بن الخطاب، منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو ذر وغيرهم.
فترى هؤلاء يدونون ويحدثون وإن وضعت الصمصامة على أعناقهم، لقول الراوي: أتيت أبا ذر - وهو جالس عند الجمرة الوسطى - وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل فوقف عليه ثم قال: ألم تنه عن الفتيا؟
فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ لو وضعتم الصمصامة على هذه - وأشار إلى قفاه - ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها؟! (4) وترى الخلفاء وأتباعهم يمنعون التحديث والتدوين ويضربون ويهددون