المحدثين.
ومن هنا حدث التخالف في الموقف بين النهجين، هذا يحدث ويدون، وذاك يقول بالإقلال ومنع التحديث والتدوين، وهذا يقول بلزوم عرض المنقول عن رسول الله على القرآن فإن وافقه يؤخذ به وإن خالفه يطرح عرض الجدار، والآخر يقول بعدم ضرورة ذلك، وبذلك ارتسمت تدريجيا أصول الطرفين الفكرية.
هذا، وإنا كنا قد وعدنا القراء في (المدخل) بتقديم بحث هنا لأسباب منع التدوين وكيفية حدوث اتجاهين في الشريعة، ولكنا لما رأينا سعة البحث وفينا بما اشترطنا على أنفسنا في كتابنا (منع تدوين الحديث، أسبابه ونتائجه) ومن أراد المزيد فليراجعه.
عثمان والاجتهاد وفي خضم هذه الأحداث وإمساك نهج الاجتهاد والرأي بزمام الأمور تسنى لهم أن يجعلوا سيرة الشيخين قسيما ثالثا لكتاب الله وسنة النبي (صلى الله عليه وآله)، فاشترطوا على من يلي الخلافة بعد عمر أن يذعن لهذه القاعدة النابعة من الاجتهاد، فقبل عثمان بن عفان ذلك، وأبى علي أشد الإباء، لأن قبول ذلك الشرط يعني التخلي عن مدرسة التعبد المحض، والانخراط في سلك الاجتهاد بالرأي، وذلك ما لا يقره علي بن أبي طالب - تبعا لرسول الله والقرآن المجيد كما بينا ذلك - لأنه يضفي الشرعية على تلك الفكرة المستحدثة.
ولا يخفى أن عبد الرحمن بن عوف كان يبغي من هذا الشرط إلزام عثمان بن عفان بالعمل طبق اجتهادات الشيخين، وحصر دائرة الشرعية بهما دون سواهما، إلا أن الواقع الذي حصل من بعد كان خلاف ما أراد الشيخان وابن عوف، لأن فكرة الاجتهاد بنفسها تأبى هذا التأطير الذي لا يمتلك القوة الإقناعية لهذا الحصر المراد.
فإن تشريع سنة الشيخين - طبق الاجتهاد - والارتقاء بها إلى صف السنة النبوية، جاء لتطبيق ما سن على عهدهما من آراء، والذهاب إلى شرعيتها، وعدم السماح