واللافت للنظر أن الخليفتين أبا بكر وعمر لم يكونا بمنأى عن هذه الظاهرة، بل نرى لهما نصيبا من الاعتراض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعدم امتثال أوامره (صلى الله عليه وآله) (1)، وخصوصا الخليفة عمر بن الخطاب الذين خالفه في مفردات كثيرة.
كإنكاره أخذ الفداء من أسارى بدر (2)، واعتراضه على النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاته على المنافق (3)، واستيائه من قسمة قسمها النبي (صلى الله عليه وآله) (4)، ومواجهته للنبي بلسان حاد في صلح الحديبية (5)، ومطالبته النبي (صلى الله عليه وآله) أن يستفيد من مكتوبات اليهود في الشريعة (6) وقوله في أخريات ساعات حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، إنه ليهجر (7) أو غلبه الوجع، وهكذا وهلم جرا في الاجتهادات التي خولف بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته، غير ناسين أن المسلمين انقسموا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعا بالقلم والدواة ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، فمن قائل: أنفذوا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقائل: القول ما قال عمر، وهذا إن كشف عن شئ فإنما يكشف النقاب عن وجود الاتجاهين حتى آخر لحظة من حياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأن اتجاه الاجتهاد بالرأي كان قويا ومؤثرا في مسير تاريخ المسلمين وفقههم وحياتهم، وذلك هو الذي شرع التعددية وحجية الرأي بعد رسول الله.
ولا يخفى عليك أن ما يهمنا بحثه هنا هو معرفة (وضوء النبي (صلى الله عليه وآله)) من خلال بيان ملابسات التشريع الإسلامي على وجه العموم، وما يتعلق بوضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجه خاص.