المجتهدون بعد النبي (صلى الله عليه وآله) لقد علمنا بوجود تيارين في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، متعبد ومجتهد، وبقاءهما إلى آخر لحظة من حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، ولظروف شتى صار زمام الخلافة بيد رؤساء الاجتهاد والرأي بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فكان من جملة ما اتخذوه من قرارات هو معارضتهم للتحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمور رأوها.
فجاء في تذكرة الحفاظ: أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه (1).
وعن عروة بن الزبير: إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما، وقد عزم الله له فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا، فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله تعالى، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا (2).
وروي عن يحيى بن جعدة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده منها شئ فليمحه (3).
وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر: أن عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهرت في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيها الناس! إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي.