التاريخ وإخبارات القرآن عن سنن الأمم الماضية، راح الشارع المقدس يوازن بين الفئتين، ويبين الفرقة الحقة، والمسار الصحيح، وأن التعبد المحض هو سبيل النجاة، وهو مراد الله سبحانه وتعالى لا الاجتهاد وتفسير الأمور وفق الأذواق والعقائد الموروثة، فقال تعالى: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله) * (1)، فقد قرر القرآن في هذه الآية الكريمة أن استئذان النبي (صلى الله عليه وآله) يساوق الإيمان بالله، وذلك لما لهؤلاء المستأذنين من عقيدة راسخة وفهم صحيح لوجوب إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والالتزام بما يقوله ويفعله، بخلاف الآخرين الذين لا يرون هذه الرؤية ويذهبون إلى خلافها، أو أنهم يفسرونها طبق آرائهم واجتهاداتهم.
ومثل ذلك قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * (2)، وغيرها من الآيات المباركة التي تتحدث بهذا الصدد.
المجتهدون في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وقد كان للمجتهدين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أثر كبير، بحيث سوغوا لأنفسهم العمل بأعمال نهى عنها النبي (صلى الله عليه وآله) أو لم يأمر بها، وتعدوا حدودهم فراحوا يعترضون على النبي (صلى الله عليه وآله) اعتراض ند قرين، ويجتهدون أمام النص الصريح.
فمن ذلك ما فعله خالد بن الوليد من الوقيعة ببني جذيمة في السنة الثامنة للهجرة، حيث بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله) داعيا للإسلام ولم يبعثه مقاتلا، فأمر خالد بني جذيمة بوضع السلاح، فلما وضعوه غدر بهم وعرضهم على السيف لثأر كان بينه وبينهم في الجاهلية، فلما انتهى الخبر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) رفع يديه إلى السماء ثم قال:
اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ثم أرسل عليا ومعه مال فودى لهم الدماء