قبل الخوض في دراسة الجانب الروائي لمسألة الوضوء، ومناقشة الروايات الحاكية لصفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند المسلمين، لا بد لنا من إعطاء صورة عن المجتمع الإسلامي أبان ظهوره، والخلفيات التي هيأت الظروف للاختلاف في الأحكام الشرعية، ومنها الوضوء النبوي، فنقول:
نحن قد وضحنا سابقا (1) بعض العلل والأسباب والملابسات التي أدت إلى انقسام المسلمين إلى نهجين فكريين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لكل منهما نهجه ومبناه.
فالبعض من الصحابة كان يدعو إلى لزوم استقاء الأحكام من القرآن والسنة المطهرة ولا يرتضي الرأي والاجتهاد قباله، والبعض الآخر كان يذهب إلى شرعية قول الرجال، وصحة الاجتهاد قبال النص، لأنهم قد عرفوا ملاكات الأحكام وروح التشريع!.
وقد انتهجت الطائفة الأولى منهاج الطاعة والامتثال لمطلق الأحكام الصادرة عن الله ورسوله، وهؤلاء كانوا لا يسمحون لأنفسهم - ولا لغيرهم - العمل في الأحكام الشرعية بآراء شخصية واجتهادات غير مأخوذة من النص.
أما الطائفة الثانية - فهي طائفة المجتهدين - الذين كانوا يفتون بالرأي في محضره (صلى الله عليه وآله)، ويبتغون المصلحة مع وجود النص، وهؤلاء وإن كانوا معتقدين برسالة الرسول لكنهم لم يعطوه تلك القدسية والمكانة التي منحها الله إياه، فكانوا - في كثير من الأحيان - يتعاملون معه كأنه بشر غير كامل يخطئ ويصيب، ويسب ويلعن ثم يطلب المغفرة للملعونين (2).