من هو البادئ بالخلاف لم يكن هدفنا بهذا التقديم إعادة أو تلخيص ما مر في البحث التاريخي للدراسة (المدخل)، لكن لطول الفترة بين خروج البحث التاريخي للدراسة والبحث الروائي واحتمال نسيان القراء ما قدمناه في الزاوية الأولى، حبذنا إعطاء صورة إجمالية عن البحث التاريخي هنا، كي يقف المطالع للزاوية الثانية من الدراسة على ما قدمناه في الأولى، وهذا ما يفيد قراء الزاوية الأولى (المدخل) كذلك، لأنه بمثابة الإعادة للكليات التي قرؤوها فيه، وبذلك يمكنهم ربط البحثين معا.
فقد عرفنا سابقا البادئ بالخلاف، إذ وضحنا وجود مؤشرات كثيرة دالة على كون الخليفة عثمان بن عفان هو الذي بدأ الخلاف في الوضوء، وأن المسلمين لم يأخذوا بقوله وفعله أيام حياته، لما عرفت من اختلاف الناس معه، لكن الخلفاء - أمويين كانوا أم عباسيين - أكدوا على وضوء عثمان لمصالح ارتضوها في العصور اللاحقة.
وقد رأينا كيف أن عثمان بن عفان - ونظرا لكثرة الناس الماسحين، وتحديثهم عن رسول الله، وقوة استدلالهم - انحسر وراح يتخذ مواقف دالة على ضعفه أمامهم، مشيرا إلى قوة الاتجاه المعارض له، حيث:
1 - إن عثمان لم يرم " الناس " بالكذب أو البدعة أو الإحداث، بل وصفهم بالتحديث، ولم يشكك فيهم، وهذا اعتراف منه بأنهم متحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير كذابين ولا مبتدعين ولا محدثين، ولو كانوا كذلك لقال عنهم ما يجب القول فيهم من الكذب والبدعة و...، كما نسبوا هم إلى الخليفة ذلك، لا أن يتجاهل مروياتهم بقوله (لا أدري ما هي)، والخليفة بقوله ذلك كشف لنا ماهية ومنزلة أولئك (الناس) إجمالا.
2 - لو كان (الناس) هم البادئين بالخلاف لاستعمل عثمان معهم أحد أساليب ثلاثة: