فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه) (1)، وقد حرق بالفعل مدونته الحديثية والتي كانت خمسمائة حديثا (2).
ومثله كان فعل الخليفة عمر بن الخطاب، فإنه لما بلغه أنه قد ظهرت في أيدي الناس كتب، استكرهها وكرهها وقال: أيها الناس!! إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي.
فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه يكتبهم، فأحرقها بالنار، ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب (3).
وروي عن يحيى بن جعدة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده منها شئ فليمحه (4).
وقد كان عمر بن الخطاب قد استشار الصحابة في تدوين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله فأشاروا عليه بأن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها، فتركوا كتاب الله تعالى، وإني لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا (5) فهذه النصوص تؤكد على أن مذهب الشيخين كان هو النهي عن تدوين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله لأسباب ذكرناها في كتابنا (منع تدوين الحديث)، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قد أخبر بوقوع هذا الأمر بن بعده بقوله (يوشك) الذي هو من أفعال المقاربة، وقد تحقق بالفعل من بعده حيث أخرج أحمد في مسنده وابن ماجة وأبو داود والدارمي والبيهقي في سننهم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (يوشك الرجل متكئ على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدناه فيه من حلال