- ثم السبيل يسره " الولادة " قال تعالى: (قتل الانسان ما أكفره (17) من أي شئ خلقه (18) من نطفة خلقه فقدره (19) ثم السبيل يسره) [عبس: 17 - 20] أي سهل عليه الخروج من بطن أمه.
بعد رحلة بديعة دامت أربعين أسبوعا، تجلت فيها كل صور الروعة الأخاذة، يعلن الجنين عن مقدرته على مواجهة الحياة، ويرى الرحم أنه لابد من الفراق، وتبدأ عملية الولادة بتقلصات الرحم الدورية، التي تبتدئ خفيفة وقصيره وبفواصل متباعدة تقدر ب (15 - 20) دقيقة، ثم تصبح التقلصات قوية وبفواصل أقل فأقل، كما تزداد شدة التقلصات وتستمر مدة أطول تصل للدقيقة. تعاني الماخض أثناء ذلك آلاما شديدة، تلك الآلام التي جاءت بسيدتنا مريم إلى جذع النخلة عند ولادتها بالسيد المسيح عليه السلام، قال تعالى في سورة مريم:
(فأجاءها المخاص إلى جذع النخلة قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) [مريم: 23] وعندما تتم الولادة ويخرج الجنين إلى الوجود ثم تتبعه المشيمة والأغشية، وتتقلص الرحم تقلصا واحدا مستمرا وقويا، يخفف النزف الحاصل.
وإن تقلصات العضلة الرحمية وميزاتها وتطورها أثناء المخاض وبعده، تجعل من عملية الولادة التي تتكرر في حياتنا باستمرار، عملية خارقة بالفعل، فلو تصورنا أن الرحم قامت بتقلص واحد وشديد، لتخرج الجنين بشكل سريع، فماذا سيحصل؟، إن النتيجة ستكون موت الجنين بسبب الضغط القوي الحاصل عليه، أو بسبب نقص ورود الدم إليه عبر المشيمة.
ولو تصورنا أن الرحم استمرت بعد خروج الجنين والملحقات بتقلصاتها الدورية، فسيؤدي ذلك لنزيف هائل من ذلك الجرح الكبير الذي تركته المشيمة مكان ارتكازها، وبالتالي موت المرأة بالصدمة حتما، وهنا تتدخل يد العناية المدبرة لتتدارك الامر مباشرة، وتصدر النخامة أمرها للرحم بأن تتقلص تقلصا