السمع ثم البصر ورد في القرآن الكريم لفظتي السمع والبصر معا (19) تسعة عشرة مرة، وذكر في (17) سبعة عشر موضعا لفظة السمع قبل لفظة البصر منها قوله تعالى:
(وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصر والأفئدة) [المؤمنون: 78] وقوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (الاسراء: 36] والواقع أن كلا من السمع والبصر من الحواس الغالية والهامة في الانسان فعن طريقهما يطل على العالم الخارجي، ويتلقى المدركات، ويميز الأشياء، ويتعرف عليها، ولكن ذكر السمع قبل البصر في القرآن يكاد يكون قاعدة مطردة.
وقد نفهم الحكمة من ذلك اعتمادا على بعض مكتسبات العلم التي منها:
1 - تبدأ وظيفة السمع بالعمل قبل وظيفة الابصار. فقد تبين أن الجنين يبدأ بالسمع في نهاية الحمل وقد تأكد العلماء من ذلك بإجراء بعض التجارب حيث أصدروا بعض الأصوات القوية بجانب امرأة حامل في آخر أيام حملها، فتحرك الجنين استجابة لتلك الأصوات، بينما لا تبدأ عملية الابصار إلا بعد الولاة بأيام (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) [الدهر: 2] 2 - ومن الحقائق التي تجعل السمع أكبر أهمية من البصر هي أن تعلم النطق يتم عن طريق السمع بالدرجة الأولى، وإذا ولد الانسان وهو أصم، فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي ويحدث لديه قصور عقلي وترد في مدركاته وذهنه ووعيه. وهناك الكثير من الذين حرموا نعمة البصر وهم صغار أو منذ الولادة ومع ذلك فقد تعلموا وبلغوا درجة راقية من الادراك والعلم حتى الابداع، وأبو العلاء المعري الشاعر المعروف مثال على ذلك. ولكننا لم نسمع بأن هناك إنسانا ولد وهو أصم، أو فقد سمعه في سنوات عمره الأولى ثم ارتقى في سلم المعرفة، وذلك لان التعلم والفهم والنطق يتعلقان لدرجة كبيرة بالسمع، والذي