براءته من ضرب الامام مالك فأقاد مالكا من جعفر بن سليمان العباسي (عم المنصور وواليه على المدينة الذي أمر بضرب مالك) فقال مالك: أعوذ بالله، والله ما ارتفع منها سوط على جسمي إلا وأنا أجعله في حل من ذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الذراوردي: سمعته يقول، حين ضربه: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
وهو موقف نبيل من الامام مالك، يتشبه فيه بموقف الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كان هذا الطود العظيم والعلم الشامخ، منافحا عن آل بيت النبي، فضرب وأهين وخلع كتفه وهو ثابت على ولائه للنفس الزكية حفيد الحسن بن علي وفاطمة بنت محمد رضي الله عن الجميع.
ومع هذا لم يحقد على من ضربه بل عفا عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورغم هذا كله فقد عرف عن الامام مالك عزوفه عن السياسة والمشاركة فيها، إلا أنه لم يملك نفسه عندما رأى النفس الزكية قد خرج من أن يشجع الناس بفتواه على الانخراط في ثورته ضد المنصور العباسي، وأن يتحللوا من أيمانهم المغلظة التي أخذها منهم والي المنصور العباس كرها.. فقال قولته المشهورة (ليس على مستكره يمين) وقال: (ليس على مستكره طلاق). وقد كانت تلك الايمان التي أخذها ولاة المنصور، يذكر فيها أن زوجة المرء تطلق إذا هو نكث بيعة المنصور.
ورغم هذه الظروف القاسية والمحنة التي مر بها الامام مالك إلا أنه ثبت لها. ولما انتهت ثورة النفس الزكية بالفشل وقتل هو وأنصاره، وتم الامر للمنصور اعتزل الامام مالك الناس في بيته.. ومع هذا كان يخرج لهم في داره يعلمهم الفقه والحديث.. ويعظ الملوك والولاة. ويأتيه المنصور ويعتذر إليه عما فعله عمه جعفر والي المدينة.. ويقول له: (ضع للناس كتابا أحملهم عليه.. ضعه فما أحد اليوم أعلم منك). ويعتذر مالك عن حمل الناس على كتابه الموطأ. ويموت المنصور والمهدي من بعده، ومالك لا يزال يراجع كتابه الموطأ. حتى إذا أتى الرشيد ذكر لمالك ما قاله جده المنصور فيأبى مالك أن يفرض كتابه على الناس ويقول: إن