أرسل رسالة إلا برسول. فالصلة عضوية بين الكتاب والهداية والرسالة من جهة وبين العبد والهادي والرسول من جهة أخرى. فلا بد من بيان الكتاب وتوضيح الهداية والرسالة وسياسة الاتباع بمقتضاها، ولتكون الفسحة الواقعة بين البداية والنتيجة محطة ترجمة ونقل للمضامين من النص إلى التطبيق، وبالتالي تجربة غنية تثري الرسالة والكتاب والهداية وتبين ما فيها ولو كان مجديا العكس لأرسل الله نسخا من كتبه السماوية لكل واحد من المكلفين، لكنها عملية فنية واختصاص. فمحمد بالذات هو الفني وهو المختص الأوحد ببيان الإسلام بيانا يقينا يتطابق مع المقصود الإلهي في كل نص من النصوص، وهو بالذات الأعلم بالرسالة والكتاب والهداية، وهو أفضل أتباعها وهو الأنسب لقيادة هؤلاء الأتباع سياسيا، وسياستهم وفق أحكامها ومن ينسبه النبي لخلافته بناء على أمر ربه هو بالذات المؤمل لإدامة هذه الصلة العضوية بين العقيدة الإلهية وبين قيادتها السياسية.
الركن الثالث: المنظومة الحقوقية الإلهية الإمام أو القائد السياسي في النظام السياسي الإسلامي ليس حرا ليحكم برأيه إنما هو مقيد بالمنظومة الحقوقية الإلهية، بحيث يكون حكمه في أي أمر من الأمور متطابقا تماما مع الإرادة الإلهية بحيث يكون التكييف هو عين التكييف الإلهي والمضمون عين الحكم الإلهي، لأن المنظومة الحقوقية هي من صنع الله وهي بمثابة القانون النافذ الواجب تطبيقه على كل الداخلين في ولاية الإمام أو القيادة السياسية وهذه المنظومة الحقوقية ليست من صنع القائد ولا من صنع المحكومين إنما هي من صنع الله. وما يبدو لنا أنه من قول محمد ما هو في الحقيقة إلا ثمرة وحي إلهي وبيان لما أنزله الله. وهذا فارق آخر بين النظام السياسي الإسلامي وبين الأنظمة الوضعية.
فالأنظمة تسن بنفسها قوانينها وتلزم المحكومين على اتباعها، بينما في النظام الإسلامي الله هو الذي يضع المنظومة الحقوقية ويلتزم الحاكم والمحكوم باتباعها تحت إشراف الله. فالذين ينفذون القوانين ليسوا عبيدا للحاكم إنما الحكام والمحكومين عبيد الله ينفذون أوامره ويخضعون له وحده ولا لسواه.