وليكن ما يكون. ولكن لا بد لي أن أفكر، وأمارس كينونتي في الوجود، لا برئ ذمتي، طلبا للحق والتماسا للنجاة، وبعدها أطلب العذر على تقصيري.
المهم هو الوصول إلى (القطع) الذي تثبت به المعذرية. وهذا القطع لا بد أن يحصل بالاجتهاد والبحث الحثيث.
كان أثقل شئ علي يومئذ، أن أقرأ تأريخ (الفتنة الكبرى) والغريب أنني أقرأ صفحة ثم أتوقف متعوذا بالله، وكأنني أنا المسؤول عن كل ما وقع.
أقرأ التاريخ خلسة، وخفية، وكأنني أمارس الفحشاء والمنكر. وما زلت أتذكر الأصحاب، وقد بدأوا يوجهون لي النقد. لأنني بدأت أخرج عن الإيمان، وأهتم بالفتن. إنني كنت أدرك إنهم لا يقولون إلا ما لقنوه. وبرمجوا عليه في تعاملهم مع (الفتنة الكبرى) حيث البؤرة الوحيدة التي تعكس حقيقة الانحراف الذي طرأ على نفوس الكثير من الذين أكبرهم التاريخ في أذهاننا إكبارا زائدا.
كان همي أن أعرف قدر الامكان، الفئة الناجية. ولم أكن أتصور أن الرسول صلى الله عليه وآله يتحدث عن خلاف الأمة، ثم لا يعطيها، مفتاح النجاة، إذن، لما كان نبيا هاديا! فما ذنب مسلمي القرون اللاحقة إن كانت ستأتي بعد وجود الخلاف، فترثه إرثا!.
ثم عدت للحديث لأرى هل في أحشائه ما يرشدني إلى الهدى ويجنبني الضلال. وما أثارني هو تعامل مختلف الفرق، لهذا الحديث. إذ كل فرقة تتبناه لصالحها. فقد قرأت مرة، لسعيد حوى كلاما قال فيه، بأنه إجماع الجمهور، إن الفئة الناجية هي أهل السنة والجماعة. وتساءلت يومئذ عن الحل في هذه الكلمات. هل الجمهور يتفق على نفسه! وليس هو أول من قالها، بل كثرت في كتابات المتقدمين أيضا. لقد روي عن معاوية بن أبي سفيان، فقال ألا إن رسول الله صلى الله عليه وآله قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهي الجماعة) (35).