ويخيل إلي إن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافا شديدا. وأول ما نلاحظه إنا لا نجد لابن سبأ ذكرا في المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف على عثمان، فلم يذكره ابن سعد حين قص ما كان من خلافة عثمان وانتقاض الناس عليه. ولم يذكره البلاذري في (الأنساب) وهو فيما أرى أهم المصادر لهذه القصة وأكثرها تفصيلا. وذكره الطبري عن سيف بن عمر، وعنه أخذ المؤرخون الذين جاءوا بعده فيما يظهر.
إن خبر (عبد الله بن سبأ) تقلص في تسلسله النهائي، ليستقر في مصدر واحد، هو (سيف بن عمر) وبأن كل من قال بهذا الرأي إنما رجع إليه من دون استشكال. فابن الأثير، وهو واحد من الذين قالوا بفكرة (السبئية) أخذها من أبي جعفر الطبري. يقول بن الأثير: (فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري، إذ هو الكتاب المعول عند الكافة عليه، والمرجوع عند الاختلاف إليه، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه. لم أخل بترجمة واحدة منها) (13).
أما بن خلدون فقد أخذها هو أيضا من أبي جعفر الطبري. حيث قال (في التاريخ) (هذا أمر الجمل ملخصا في كتاب أبي جعفر الطبري اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين. وابن كثير يرجع في ذلك الطبري نفسه) هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله) وكل الرواة الذين أخبروا عن (عبد الله بن سبأ) أخذوها من الطبري، أو ابن عساكر، أو الذهبي سواء المتقدمين منهم. كابن كثير، وأبي الفداء، وابن الأثير، وابن خلدون. أو المتأخرين من أمثال رشيد رضا، وحسن إبراهيم، وأحمد أمين.
وكل أولئك الذين أخبروا عن عبد الله بن سبأ من الطبري (14) وابن عساكر (15)