وهم يردون بذلك القول بأن أبا ذر (رض) لم يكن على بينه من دينه. وكان يحتاج إلى رجل يهودي، حديث الإسلام، ليعلمه أحكام الدين. وليلقنه شعارات قرآنية كقوله تعالى: (وبشر الذين يكنزون الذهب والفضة).
وأبو ذر (رض) المعروف بتشدده في الدين إلى درجة الرفض المطلق لآراء الخلفاء، لم يكن كما صوره أولئك الذين كانوا يريدون تبرير كل الأحداث التي وقعت في عصر عثمان واختزالها، بنوع من التعسف، في حركة موسادية، لعبد الله بن سبأ. يقول د. طه حسين:
(ومن أغرب ما يروى من أمر عبد الله بن سبأ هذا أنه هو الذي لقن أبا ذر نقد معاوية فيما كان يقول من أن المال هو مال الله وعلمه أن الصواب أن يقول إنه مال المسلمين. ومن هذا التلقين إلى أن يقال أنه الذي لقن أبا ذر مذهبه كله في نقد الأمراء والأغنياء وتبشير الكانزين للذهب والفضة بمكاو من نار، وما أعرف إسراف يشبه هذا الاسراف) (7).
ثم يستطرد قائلا:
(فما كان أبو ذر في حاجة إلى طارئ محدث في الإسلام ليعلمه أن للفقراء على الأغنياء حقوقا. وأن الله يبشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بعذاب أليم، لم يكن أبو ذر بحاجة إلى هذا الطارئ ليعلمه هذه الحقائق الأولية من حقائق الإسلام. وأبو ذر سبق الأنصار جميعا وسبق كثيرا جدا من المهاجرين إلى الإسلام. وهو قد صحب النبي فأطال صحبته، وحفظ القرآن فأحسن حفظه، وروى السنة فأتقن روايتها. وعرف من الحلال والحرام ما عرف غيره من أصحاب النبي الذين لزموه فأحسنوا لزومه) (8).
ولكي يتبين لنا ما إذا كان أبو ذر الغفاري (رض) في حاجة إلى من يعلمه