وربما قد نعذره (ع) لو أنه استسلم، وربما امتدحه القوم، وأعلوا منصبه.
غير أن الحسين، هو أمين الله في الأرض، لا يحيد عن مصلحة الأمة، ولو أدى به الأمر إلى خسران حياته، إذ لا قيمة للحياة في ظل ذل وفساد، ولا قيمة لحياة، لا تستثمر في إقامة أركان الدين ونصرة الإسلام. لقد قالها للتاريخ، واستلهمتها منه الأجيال في مسيرات كفاحها:
إن كان دين محمد لا يستقيم * إلا بقتلي فيا سيوف خذيني لقد صمم الإمام على مغادرة مكة، ليتجه إلى الكوفة، حيث الأنصار الذين يميلون بين نصرته وخذلانه، وقد اعترضه الفرزدق وقال له: إن القوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
غير أن الإمام، كان يرسم خريطة مرسومة سلفا في اللوح المحفوظ، كان يعلم بما سيجري له ولآل بيته. وقام خطيبا:
الحمد لله وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله. خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا، وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقربهم عينه، وينجز بهم وعده، ألا ومن كان فينا باذلا مهجته، موطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى).
لقد تآمرت الأمة كلها على الحسين (ع) وآل البيت بعضهم بالتقتيل والآخرون بالخذلان. لم يكن الإمام يريد شق الصفوف وتفريق الشعث. لكن حركة الأجرام كانت تتجه صوب قمع كل صوت، وهدم كل فضيلة، فالأمة ابتليت بخليفة، يشرب الخمور، ولا يرتاح من اللهو. ولا يفهم معاني الورع، كان لاهيا عابثا في الصحراء لما فرض أبوه بيعته على المسلمين. وجاء متأخرا يلهو