لئلا يذهب المتأولون عدة مذاهب فيقول قائل بأنه قد يثبت عند البخاري حديثا ويثبت عكسه عند غيره من المحدثين، ويلاحظ القارئ بأنني في هذا الباب اقتصرت على البخاري وحده، في تناقض الأحاديث.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الطب في باب لا هامة، عن أبي هريرة: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول؟
انظر إلى هذا الأعرابي كيف يهتدي بفطرته إلى طبيعة الأمراض المعدية من خلال البعير الأجرب الذي يجرب كل الإبل إذا خالطها، بينما لا يجد الرسول جوابا على سؤال الأعرابي يقنعه به، فيقول: فمن أعدى الأول؟ ويصبح هو الذي يسأل.
وهذا أيضا يذكرني بالطبيب الذي سأل الأم التي جاءت بولدها المصاب بالحصبة:
هل عندكم في البيت أو في الجيران من هو مصاب بهذا الداء؟ فقالت الأم: كلا، فقال الطبيب لعله التقطها من المدرسة؟ فأجابت الأم على الفور: كلا إنه لم يدخل بعد إلى المدرسة فعمره أقل من خمس سنين، فقال: ففي الروضة إذن، قالت: لا إنه لا يذهب للروضة. فقال الطبيب: لعلك ذهبت به إلى زيارة بعض أقاربك أو زاركم بعض الأقارب الذي يحمل الجرثومة، فأجابت بالنفي! وعند ذلك قال لها الطبيب: جاءت إليه الجرثومة في الهواء.
نعم فالهواء يحمل الجراثيم والأمراض المعدية وقد يصيب قرية كاملة أو مدينة بأكملها ولذلك وجد التلقيح والوقاية لما قد تحمله الرياح من أمراض فتاكة كالوباء والطاعون وغير ذلك، فكيف يخفى كل ذلك على من لا ينطق عن الهوى؟ إنه رسول رب العالمين الذي لا يعزب عن علمه شئ