وهذه الحادثة الثانية ليست إلا رد فعل لمؤامرة صلاح الدين على الفاطميين وبطشه بالشيعة في مصر على ما سوف نبين..
ومثل هذه المواقف وغيرها مما ينسب للفاطميين إنما هي مواقف سياسية بحتة لا صلة لها بالمذهب الشيعي ولا يجوز تحميلها على أساس عقائدي. فإن السياسة كثيرا ما تتمرد على الدين وإذا ما حاولنا ضبط مواقف الخلفاء - سنة وشيعة - بضوابط الإسلام فسوف نجد تناقضا كبيرا. خاصة خلفاء بني أمية وبني العباس.. (63) والفاطميين على الرغم من نجاحهم في تحويل المصريين من السنة إلى الشيعة ليتحول الشيعة إلى أغلبية في مصر. رغم ذلك لم يضطهدوا المذهب السني. بل كان له وجوده ونشاطه. حتى إن بعض فقهاء المالكية والشافعية تولوا مناصب في الدولة مثل القاضي أبي عبد الله القضاعي الشافعي.. (64) ولعل هذا ما دفع بالقلقشندي أن يقول: إن مذهبي مالك والشافعي ظاهري الشعار في زمن الفاطميين.. (65) ولو كان الفاطميون باطنية وزنادقة ويضمرون العداء للإسلام والمسلمين كما يدعون فلما ذا تسامحوا مع المذاهب الأخرى وهي واقعة في دائرة نفوذهم..؟
يقول الدكتور عبد المنعم الماجد: لا بد لنا أن نقر أن الدعوة - الشيعية - أيام المستنصر نجحت إلى حد لم يسبق لها. وأن المسلمين من غير الشيعة والقبط. كانوا يتمتعون بحريتهم المذهبية والعقيدية إلى حد كبير.. (66) * شهادة المؤرخين للفاطميين:
إن القارئ المتتبع لتاريخ الفاطميين يظهر له التناقض الواضح في مواقف المؤرخين من خلفائهم.. ففي الوقت الذي يتهمهم فيه المؤرخون بالزيغ والضلال وفساد العقيدة وينفون نسبهم لآل البيت وينعتونهم بالعبيديين نسبة إلى عبيد الله المهدي مؤسس الدولة في بلاد المغرب.