بالكتب من كل نوع في العلوم والآداب والعقائد وكان الطلاب يفدون إليها من شتى الأقطار. فكانت أشبه بجامعة تتكون من عدة كليات.. وكانت خزانة الكتب في زمن المستنصر لا نظير لها في جميع بلاد الإسلام وهي تتكون من أربعين خزانة فيها أكثر من مائتي ألف كتاب وعدد كبير من الكتاب والنساخ.. (32) وبلغ عدد المساجد في مصر آنذاك ستة وثلاثون ألف مسجد في جميع المدن والقرى ولكل مسجد يقع في حدود الدولة من الشام إلى القيروان نفقات يقدمها الخليفة المستنصر من زيت وحصير وسجاجيد للصلاة ورواتب للقوام والفراشين والمؤذنين وغيرهم.. (33) واعتاد خلفاء الفاطميين أن يقيموا في قصورهم الولائم الفاخرة في الأعياد لعامة الناس حيث تقدم لهم الفطرة وهي حلوى من دقيق وفستق ولوز وبندق وتمر وزبيب وعسل وهي تنشر كالجبل الشاهق على مائدة طويلة بالإيوان الكبير.. (34) وفي عيد الأضحى كان الخليفة ينحر بنفسه الأضاحي إيذانا منه ببدء النحر.
وكانت تنحر في فترة العيد ما يزيد على الألف رأس توزع لحومها على الموظفين وطلبة العلم والقائمين بشؤون الجوامع.. (35) إن الدولة الفاطمية التي استقرت بمصر فكانت أوفرها بين الدول بهاء وأبقاها أثرا وما زال الجامع الأزهر غرس الدولة الفاطمية اليانع يقوم منذ ألف عام أثرا خالدا ورمزا باهرا لهذا العصر الزاهر وهذه الدولة المستنيرة العادلة. وربما كان العصر الفاطمي بين عصور مصر الإسلامية الغابرة أجودها من هذه الناحية بالدرس والتمحيص وأحفلها بالمواقف الشائقة وأكثرها سحرا وفتنة وأبعثها إلى التأمل والعطف لأن الخلافة الفاطمية بالرغم مما كان يحيق بأصولها وأمامها من الريب فقد كانت بنظمها الطريفة ورسومها الفخمة وخلالها الباهرة تنثر من حولها فيض من العظمة والبهاء وتطبع العصر بطابع عميق من روحها الباذخ كما يحدثنا التاريخ.. (36) وفي أيام هذه الدولة أخذت أنوار الحضارة الإسلامية تنبثق من هذه المدينة الزاهية على أرجاء الأرض. وأخذ الفن المصري الإسلامي يتألق في جميع