فقال عمرو بن العاص لمعاوية: اغتنمه فإنه قد أثخن بقتل هؤلاء الأربعة فقال معاوية: والله لقد علمت أن عليا لم يقهر قط. وإنما أردت قتلي لتصيب الخلافة من بعدي. اذهب إليك. فليس مثلي يخدع.. (21).
وأغار الإمام علي جيش معاوية وحمل علي عمرو بن العاص وضربه بالرمح فألقاه على الأرض فبدت سوءته فرجع عنه ولم يقتله..
فقال له أصحابه: ما لك يا أمير المؤمنين رجعته..؟
فقال الإمام: أتدرون ما هو؟
قالوا: لا..
قال: هذا عمرو بن العاص تلقاني بسوءته فذكرني بالرحمن فرجعت عنه (22).
وأمام الضربات القاتلة التي كان يوجهها الإمام وجنده لقوات معاوية التي أخذت في التقهقر والانهزام أشار ابن العاص على معاوية بحيلة خبيثة لا تنم عن دين أو تقوى له إنما تنم عن ضلال وكفر وخديعة. وقد تمثلت هذه الحيلة في تمزيق المصحف ورفع أوراقه على أسنة الرماح أمام جنود الإمام والمطالبة بتحكيمه في الصراع الدائر بينهما..
يقول ابن العاص: فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول ينبغي لنا أن نقبل فتكون فرقة بينهم. وإن قبلوا ما فيها رفعنا القتال عنا إلى أجل.. (23).
أن مثل هذا العمل إنما يدل على مدى استخفاف معاوية وابن العاص بكتاب الله فهما لم يفعلا ذلك بهدف تحكيم كتاب الله وإنما بهدف التقاط الأنفاس والوقيعة بين جند الإمام..
ولقد تصدى الإمام بقوة لهذه الخدعة وأصر على استمرار القتال إلا أن أصحاب الهوى وضعاف العقول من جنده طالبوه بالتحكيم ووقف القتال وقبل الإمام هذا الأمر على كراهية وغضب. وقام معاوية بتنصيب ابن العاص حكما من جهته بينما أوفد جند علي أبو موسى الأشعري بدلا من عبد الله بن عباس الذي كان قد اختاره الإمام (24).