السيف والسياسة - صالح الورداني - الصفحة ١٢٦
ويحاول المؤرخون توجيه اللوم للإمام علي وتخطئته لإصداره قرار عزل معاوية فور توليه الحكم وكان الواجب عليه أن يتركه على الشام حتى تنجلي الأمور..
ومثل هذا التصور إنما ينبع من رؤية سطحية لطبيعة الصراع. رؤية تنبنى على أساس أن المسألة لا تخرج عن كونها مجرد - صراع داخلي بين حاكم وواحد من ولاته. وتنبنى أيضا على أساس أن معاوية يتحرك وفق دائرة المصلحة..
ولو كان هؤلاء المؤرخون يفقهون شخصية الإمام علي ويقدرون دوره ويعطونه مكانته لكان من الممكن أن يفهموا أن موقف الإمام من معاوية إنما هو موقف يفرضه المبدأ الإسلامي..
لوفقه هؤلاء شخصية معاوية وتاريخه ومكانته الوضيعة ما تبنوا هذه الرؤية..
إن هؤلاء. المؤرخين كغيرهم من الفقهاء سقطوا ضحية السياسة وسلموا بما بين يديهم من أطروحات وروايات دون أن يعقلوها ويراجعوها على أساس أن هذا الأطروحات والروايات إنما وصلتهم من رجال عدول ثقات.. (11) لقد حكم معاوية الشام سبعة عشر عاما مكن لنفسه فيها وارتبط مصيره بها وكانت بالنسبة له بمثابة دولة وليست ولاية..
ولأن الإمام كان يفقه حقيقة معاوية والاتجاه الذي يمثله والدور الذي سوف يلعبه كان لا بد من أن يتبنى هذا الموقف تجاهه..
حقيقة معاوية أنه شيطان هذه الأمة..
والاتجاه الذي يمثله هو الباطل..
والدور الذي سوف يلعبه هو ضرب الإسلام النبوي..
وأمام شخص كهذا لا تصح المساومات والمداهنات وأنصاف الحلول لأنها سوف تكون على حساب الحق وسوف ينتج عنها دعم الباطل..
من هنا كان السيف هو الحل الذي فرض نفسه. فلم يكن أمام معاوية سواه ليواجه به الإمام فهو لا يملك أية مقومات أخرى ليواجهه بها..

(11) أنظر لنا كتاب فقه الهزيمة فصل الحديث وانظر باب انعكاسات الخط الأموي..
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة