عند استعراض الروايات الأخرى التي جاءت على لسان ابن مسعود في تلك الفترة..
يروي أبو داود والنسائي: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: قال سبحانه (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) غلوا مصاحفكم. وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (13)..
ويروي ابن حجر: لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود فقال من استطاع أن يغل مصحفه فليفعل أفأترك ما أخذت من رسول الله (14)..
وفي رواية يقول ابن مسعود: إني غال مصحفي فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل (15)..
وفي رواية: والله لا أدفعه - يعني مصحفه - لعثمان - أقرأني رسول الله (16)..
ومعنى الغل المقصود من قول ابن مسعود هو قول مستنبط من الآية المذكورة التي تتحدث عن الغل أي إخفاء الغنيمة في الحرب وحجزها عن التقسيم الشرعي. ويقصد ابن مسعود بقوله: غلوا مصاحفكم أي أخفوها حتى لا تصل إلى عثمان فتحرق..
ويحاول القوم التقليل من ابن مسعود والتمويه على موقفه باختراع رواية تفيد أنه كره عمل عثمان وأنه اتفق معه في النهاية. أي أن الموقف لم يخرج عن حدود الكراهية. وفوق هذا هم يصورون ابن مسعود بأنه لم يكن حافظا للقرآن وأن هناك من هو أعلى منه في هذا المقام فمن ثم لا يعتد بقوله ولا يؤخذ بموقفه..
يقول ابن حجر: وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه. فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان. ولا شك أن تأليف مصحف عثمان أكثر مناسبة من غيره (17)..
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: على أي أساس حكم ابن حجر بأن مصحف عثمان أكثر مناسبة من غيره؟.