المعوذتان ومصحف ابن عباس يبدأ بسورة اقرأ ويحتوي على (114) سورة..
ومثل هذه المصاحف لم تكن تضر المسلمين في شئ فقد كانت مقسمة ومرتبة باجتهاد الرجال الذين دونوها عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). إلا أن ما استفز عثمان فيها هي تلك التفسيرات التي كانت تبدد الكثير من الظنون والأوهام حول كثير من نصوص القرآن. أما مصحف حفصة فلم يكن فيه شئ من هذه التفسيرات كما أن ترتيب سوره مختلف عن بقية المصاحف الأخرى..
ولا شك أن تجريد المصحف من هذه التفسيرات من شأنه أن يزيد من غموض القرآن وصعوبة فهم نصوصه ويفتح بابا للخلاف حول تفسير هذه النصوص مما يؤدي إلى الفرقة بين المسلمين وهو ما وقع. وإذا كان هدف عثمان من حرق المصاحف هو وحدة المسلمين ونبذ الخلاف فإن هذا الهدف لم يتحقق بإلزام الأمة بمصحفه فقد ثار على عثمان كثير من الصحابة على رأسهم ابن مسعود الذي رفض الاعتراف بمصحف عثمان وأنكره (10)..
يروي البخاري: خطبنا ابن مسعود فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) بضعا وسبعين سورة. والله لقد علم أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم.
قال شفيق - الراوي - فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادا يقول غير ذلك (11)..
وفي رواية أخرى يقول ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت. ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما أنزلت. ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه (12)..
ومثل هذا الموقف من ابن مسعود إنما تبناه بعد حركة عثمان حيث أعلن رفضه لها من فوق منبر الكوفة ولم يعارضه في ذلك أحد كما هو واضح من الرواية. فإذا تبين لنا أن ابن مسعود لم يكن من بين الذين استعين بهم في جمع القرآن في عهد أبي بكر أو عهد عثمان فهذا أمر يكشف لنا مدى عمق موقف ابن مسعود وأهميته. وهو يشير من جهة أخرى إلى أن المسألة أكبر بكثير من مسألة القراءات التي يحاول القوم أن يوحوا بها إلينا كمبرر وحيد لحركة عثمان. تتضح الرؤيا بصورة أكثر وضوحا