وأخطرها، ذلك أن خطة الهجرة المحكمة، إنما كانت تتطلب أن يأخذ مكان سيدنا ومولانا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في البيت، رجل تشغل حركته داخل الدار، أنظار المحاصرين لها من مشركي قريش، وتخدعهم بعض الوقت، عن مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكون هو وصاحبه قد جاوزا منطقة الخطر، وخلفا وراءهما من متاهات الصحراء مسافات تتشتت فيها مطاردة قريش، إذا هي خرجت في طلبهما.
وكان من البدهي أن يكون مصير الذي يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، في داره، ويخدع قريشا عن مخرجه، ويجعل كيدها الذي عبأت فيه كل قواها، لا هزيمة ماحقة فحسب، بل وسخرية تضحك منه ولدانها، خزيا يجثم فوق جبينها، لا ريب في أن مصيره القتل، إن لم تجد قريش ما هو أشد من القتل تشفيا وفتكا، ومن ثم فلا بد أن يكون هذا الفدائي من طراز فريد، وهكذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، لأنه من بيت النبوة، ولأنه سليل بني هاشم، ولأنه ربيب الوحي، ولأنه أول المسلمين، ولأنه تلميذ النبي صلى الله عليه وسلم، وربيبه.
على أنه مهمة الإمام علي، عليه السلام، لم تكن مقصورة على المبيت مكان النبي صلى الله عليه وسلم، والمكر بقريش، حتى يغادر نبي الله وصاحبه مكة، بل إنها إنما كانت ذات جانب آخر، تتطلب بنفس القدرة من الفدائية والبذل والتضحية، ذلك هو قيام الإمام علي برد الأمانات والودائع، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتفظ بها لذويها من أهل مكة، دونه أن ينيل منه فرصة، تحول بينه وبين إنجاز مهمته، وهذه المهمة، إنما هي - دونما ريب - خصيصة للإمام علي، لمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزلته الخاصة في قرابته وبيئته، لأنه ربيبه، وأعرف الناس بالنبي مدخلا ومخرجا، وأعلمهم بأحواله، وفي ثقة الناس به.
وليس هناك إلى سبيل من ريب، في أن مبيت علي المرتضى، في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل نفسه فداء لصاحب الرسالة، وهو أول فداء في الإسلام، إنما كان فضلا من الله تعالى، على الإمام علي، فما زال المسلمون - وسيظلون إن