شاء الله إلى يوم الدين - عندما يذكرون حادث الهجرة، يذكرون عظمة الإمام علي بن أبي طالب، وبطولته وشجاعته، التي فاقت كل بطولة وشجاعة، لأنه جاد بحياته في سبيل إحياء حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ليحيا الإسلام، وتنتشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وليتألق الإسلام في آفاق الدنيا كلها، وهو يعلم أن السيوف المسلولة تنتظره في الصباح.
ولا ريب في أنه لا تعليل لذلك، سوى الإيمان الصادق، الذي تغلغل في نفس الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وخالط وجدانه، فدفعه إلى إيثار حياة النبي صلى الله عليه وسلم، على حياته، فقام مقام الرسول، وتغطى بالبرد الحضرمي، الذي كان يتغطى به النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الإمام علي، أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، ووقى بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يقول له النبي (لن يخلص إليك شئ)، وفيه نزل قول الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد) (1).
وليس هناك من ريب في أن مبيت الإمام علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، في تلك الليلة المباركة، إنما قد أذهل الدنيا - بل أذهل أهل الأرض والسماء - روى الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير: أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب، بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، قام جبريل عليه السلام، عند رأسه، وميكائيل عليه السلام، عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة، ونزلت الآية: (ومن الناس يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد).
وروى الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين): أن ليلة بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوحى الله إلى جبريل وميكائيل أني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه