بالحياة، فاختار كلاهما الحياة وأحباها، فأوحى الله إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد، فبات علي على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب، تباهى بك الملائكة، فأنزل الله تعالى: (ومن الناس يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد).
وروي أن السيدة عائشة، رضي الله عنها، قد افتخرت بأبيها يوما، لأنه ثاني اثنين في الغار، فقال لها أحد الأصحاب: شتان بين من قيل له (لا تحزن إن الله معنا)، ومن بات على الفراش، وهو يرى أنه يقتل، وأنزل الله فيه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد).
هذا ويتساءل الأستاذ الخطيب في كتابه (علي بن أبي طالب - بقية النبوة، وخاتم الخلافة) يتساءل: أكان لإلباس رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصيته لعلي بن أبي طالب في تلك الليلة، ما يوحي بأن هناك جامعة تجمع بين الرسول وعلي، أكثر من جامعة القرابة القريبة التي تجمع بينهما؟.
وهل لنا أن نستشف من ذلك، أنه إذا غاب شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان علي بن أبي طالب، هو الشخصية المهيأة لأن تخلفه، وتمثل شخصه، وتقوم مقامه؟.
ثم يجيب الأستاذ الخطيب: أحسبنا لم نتعسف كثيرا، إذا نظرنا إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وهو في برد الرسول، وفي مثوى منامه، الذي اعتاد أن ينام فيه، فقلنا: هذا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقائم مقامه.
ثم إذا نظرنا إلى علي بن أبي طالب، وهو يواجه قريشا، بعد أن فعل بها ما فعل، وبعد أن صفعها تلك الليلة الصفعة المذلة المهينة، فمكر بها، حتى أفلت النبي صلى الله عليه وسلم، من بين يديها.