أقول:
لقد دلت الألفاظ العديدة من حديث الغدير - كبعض الأحاديث الأخرى - على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخشى من تكذيب القوم إياه، فقد عرفت سابقا صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: (رأيت الناس حديثي عهد بكفر ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه) (1). وقوله في حديث آخر:
(وعرفت أن الناس مكذبي) (2). وقوله في ثالث: (يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس) (3). ومن هنا تتضح المناسبة التامة بين دعائه صلى الله عليه وآله وسلم لمن والى عليا وعلى من عاداه، وبين إمامته عليه الصلاة والسلام.
قال الحافظ محب الدين الطبري في الجواب عن حديث (علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي) قال: (وأما الحديث الثالث. فقوله: فتعين حمل المولى على الناصر والمتولي إلى آخر ما قرر. قلنا: الجواب عنه من وجهين، الأول - القول بالموجب على المعنيين مع البيان بأنه لا دليل لكم فيه، أما على معنى الناصر فلما بيناه في الحديث قبله، وأما بمعنى المتولي فقد كان ذلك وإن كان بعد من كان بعده، إذ يصدق عليه بعده حقيقة. ومثل هذا قد ورد. وسيأتي في مناقب عثمان أن النبي رأى في منامه حورية فقال لها: من أنت؟ قالت: للخليفة من بعدك عثمان.
ويكون فائدة ذلك التنبيه على فضيلته، والأمر بالتمرن على محبته، فإنه سيلي عليكم ويتولى أمركم ومن يتوقع إمرته، فالأولى عن يموت القلب على مودته ومحبته ومجانبة بغضه، ليكون أدعى على الانقياد وأسرع للطواعية وأبعد من الخلف. ويشهد ذلك: إن هذا القول يعني إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي، صدر حين وقع فيه من وقع، وأظهر بغضه من أظهر، على ما تضمنه