والأصح حظره إلا لحاجة للأدلة المذكورة، ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات، أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داود: ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق، وأن الفعل لا عموم له في الزمان غير أن الحاجة لا تقتصر على الكبر والريبة، فمن الحاجة المبيحة أن يلقى إليه عدم اشتهائها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه على جماعها، فهذا إذا وقع فإن كان قادرا على طول غيرها مع استبقائها ورضيت بإقامتها في عصمته بلا وطئ أو بلا قسم فيكره طلاقه، كما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة، وإن لم يكن قادرا على طولها أو لم ترض هي بترك حقها فهو مباح، لأن مقلب القلوب رب العالمين.
وأما ما روي عن الحسن، وكان قيل له في كثرة تزوجه وطلاقه، فقال:
أحب الغنى، قال الله تعالى: * (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) * فهو رأي منه إن كان على ظاهره! وكل ما نقل عن طلاق الصحابة رضي الله عنهم كطلاق عمر رضي الله عنه أم عاصم، وعبد الرحمن بن عوف تماضر، والمغيرة بن شعبة الزوجات الأربع دفعة واحدة فقال لهن: أنتن حسنات الأخلاق ناعمات الأطواق طويلات الأعناق، إذهبن فأنتن طلاق! فمحمله وجود الحاجة مما ذكرنا. وأما إذا لم تكن حاجة فمحض كفران نعمة وسوء أدب فيكره، والله سبحانه وتعالى أعلم).
قلت: وقد رد عليه العلامة المحقق محمد معين السندي (1) بما لا مزيد عليه، ولننقل كلامه بطوله، فإنه قال بعد ذكر حجية عمل أهل البيت عليهم السلام:
(وعلى هذا الذي اعتقد في أهل بيت النبوة أنتقد على إمام الحنفية كمال الدين ابن الهمام في موضعين من كتابه (فتح القدير)، فقد أحرق قلبي بما أفرط